في تلك السنوات كانت ينشط في الولايات المتحدة ما عرف باسم "مداهمات بالمر". الاسم يعود إلى ألكسندر بالمر الذي كان يشغل منصب المدعي العام للولايات المتحدة في فترة رئاسة وودرو ويلسون.
استخدم هذا المدعي العام الأمريكي التشريعات السائدة في تلك الفترة مثل قانون التجسس المعتمد في عام 1917، وكذلك قانون التحريض التي سن عقب ذلك. استنادا إلى التشريعين إضافة إلى الاستعانة بالكونغرس، أطلق بالمر حملة واسعة ضد كل من يعارض الدولة الأمريكية ومؤسساتها.
جوزيفوس دانيلز، وزير البحرية الأمريكية في عام 1919، وصف هوس بالمر بتعقب أصحاب الآراء المخالفة بقوله: " يستحق بالمر لوم الرئيس، إذا أن المدعي العام رأى احمرارا وراء كل شجيرة وكل طلب لزيادة الأجور".
في ذلك العام ألغى مجلس النواب ولاية فيكتور بيرغر، العضو الاشتراكي من ولاية ويسكونسن. اتهم بيرغر بأنه اشتراكي له مواقف مناهضة للحرب، وبالتحريض على أعمال الشغب، وحكم عليه إثر ذلك بالسجن لمدة 20 عاما.
كما جرى القبض على الناشطة إيما غولدمان عدة مرات بتهم مماثلة. هذه المرأة اتهمت بإثارة أعمال شغب وتنظيم احتجاجات ضد التجنيد الإجباري القاسي. اتهامات مشابهة وُجهت لزميل لهذه الناشطة يدعى ألكسندر بيركمان.
كانت الحكومة الأمريكية بين عامي "1917 – 1920" في قلق شديد من الانتشار السريع للأفكار الشيوعية، علاوة على ذلك كانت الطبقات العاملة نكافح ضد الاستغلال. في تلك الحقبة تزايدت أعداد النقابات العمالية والمنظمات العامة المعارضة للأوضاع الرأسمالية القائمة.
تزايدت مواقف النخبة الأمريكية الحاكمة المعارضة للبلاشفة مع ترسخ النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي. اتخذت تدابير عديدة وجرت مراجعة التشريعات السائدة بهدف مقاومة انتشار الأفكار الشيوعية، وأشركت وسائل الإعلام في نشر مشروع تحت اسم "التهديد الأحمر".
إدغار هوفر، وكان في منصب مساعد المدعي العام، أسس وحدة خاصة تابعة لمكتب التحقيق في وزارة العدل أطلق عليها اسم "إدارة الاستخبارات العامة"، بواسطتها تمكن هوفر من الحصول على ملفات شخصية عن 150 ألف مواطن أمريكي.
بناء على المعلومات التي جمعتها "إدارة الاستخبارات العامة" أمر المدعي العام بالمر بتنفيذ سلسلة من المداهمات لمقار النقابات العمالية وما يعتقد بأنها خلايا شيوعية. جرت عمليات تفتيش واعتقال من دون إجراءات قانونية مناسبة.
بالمحصلة، تم اعتقال 250 شخصا بحلول ديسمبر 1919. كان بين هؤلاء إيما غولدمان وألكسندر بيركمان ونشطاء آخرون. الجميع اقتيد بالقوة إلى السفينة بوفورد التي توجهت إلى الاتحاد السوفيتي. هذه السفينة أطلق عليها في وسائل الإعلام الأمريكية اسمي "السفينة السوفيتية" و"السفينة الحمراء"، وذُكر أن هؤلاء أرسلوا "لزيارة البلاشفة المحبوبين"!
كانت محطة السفينة "بوفورد" الأخيرة ميناء "هانكو" الفنلندي. اقتيد المواطنون الأمريكيون وكان عدد كبير منهم من أصول روسية تحت حراسة مشددة ووضعوا في قطار انطلق إلى الحدود السوفيتية.
وصل المرحلون في حالة يرثى لها من الجوع والبرد الشديد إلى بلدة تيريجوكي الحدودية وهي مدينة زيلينوغورسك الروسية في الوقت الحالي. أخرج المواطنون الأمريكيون المرحلون من القطار وأجبروا على عبور الحدود سيرا على الأقدام في اتجاه الأراضي السوفيتية.
التقى البلاشفة في 19 يناير 1920 بالمواطنين الأمريكيين السابقين على جليد نهر "سيسترا" الحدودي، واكتملت بذلك الخطة الأمريكية بالتخلص من مواطنيها "المشاغبين" وطردهم إلى أقاصي الأرض!
المصدر: RT