ووفقا للتقرير رغم مسيرتها الطويلة في الحركة الصهيونية والدولة، فإن اسمها ظل مترابطًا بشكل لا يمحى بحرب يوم الغفران (6 أكتوبر 1973)، ذلك الحدث الذي خلّف "جرحا عميقا" في الذاكرة الوطنية الإسرائيلية.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 — اليوم الذي شهد أسوأ ضربة أمنية منذ تأسيس إسرائيل — عادت المقارنات مع يوم الغفران لتطفو، ولكن بدرجة أعلى من القلق والتشاؤم.
ولدت غولدا مائير عام 1898 في كييف، وعاشت طفولتها وسط ضغوط يهودية شديدة. هاجرت مع عائلتها إلى ميلووكي الأمريكية، ثم انتقلت إلى فلسطين عام 1921 برفقة زوجها، دافعةً برغبتها في بناء وطن لليهود.
وانخرطت سريعا في الحياة العامة: من الزراعة في الكيبوتس، إلى تنظيم حركة النساء، ثم تبوّأت مناصب قيادية في الهستدروت، وانخرطت في جمع التمويل لدعم يهود أوروبا والمؤسسات الصهيونية.
وميّزها انضباط ذاتي عال، حضور قوي، وقدرة تنظيمية استثنائية، جعلتها ترقى سُلّم القيادة حتى أصبحت:
- سفيرة إسرائيل في موسكو (1948)،
- وزيرة العمل (1949–1956)،
- وزيرة الخارجية (1956–1966)،
- ثم رابع رئيسة وزراء لإسرائيل عام 1969.
خلال حكمها، اعتمدت مائير سياسة "الخط الصارم" تجاه مصر وسوريا، ورفضت أي مبادرات دولية للانسحاب الأحادي من الأراضي المحتلة.
واعتبرت ممثلة لجيل القادة الأوائل من حزب "مباي"، الذين شكلتهم تجربة المحرقة، هجرة الجماعات، حرب 1948، وصراع خطوط 1967 وأسلوب قيادتها، رغم نضجه السياسي، كان مركزياً، يعتمد على دائرة ضيقة من المقربين — كـموشيه ديان وإسرائيل غليلي — وتميّز بـرؤية أيديولوجية ثابتة، لكنه عانى من جمود فكري لم يواكب التحولات الإقليمية السريعة في أوائل السبعينيات.
رغم تراكم تحذيرات استخباراتية واضحة، اندلعت حرب أكتوبر 1973، لأن القيادة الإسرائيلية اعتمدت على ما عُرف بـ"الكونسيبتسيا" — رؤية استخباراتية راسخة تفترض أن مصر وسوريا لا ترغبان في شن حرب.
ومن أبرز أسباب الفشل:
- الغرور الأمني بعد انتصار 1967،
- تجاهل المؤشرات المبكرة،
- تأخير التعبئة العسكرية،
- ما أدى إلى صدمة وطنية هزّت ثقة الشعب بالإدارة، ودفع حكومة مائير للاستقالة.
يشير التقرير إلى أن هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 شكّل صدمة أعمق من يوم الغفران:
- اخترق الآلاف أكثر من 20 مستوطنة وموقعًا عسكريًّا،
- قُتل 1163 إسرائيليًّا،
- وخُطف 251 شخصًا إلى غزة،
- وانهارت أنظمة الإنذار، الجدران "الذكية"، والتموضع الميداني.
وكشف الحدث فشلا ذريعاً في غرف القيادة، مشابها في جوهره لعام 1973، رغم اختلاف طبيعة العدو: ففي 1973 كان العدو دولتين منظمتين، أما في 2023 فهو منظمة مسلحة هجينة.
لكن آلية الفشل واحدة:
- المبالغة في تقدير قوة الردع الإسرائيلي،
- سوء فهم التحذيرات الميدانية،
- الاعتماد على دفاعات ثابتة بدل الوجود البشري الفعّال.
خمس نقاط تشابه جوهرية بين 1973 و2023
- الثقة الزائدة:
- "لن يهاجموا" في 1973 ↔ "الجدار الذكي لا يُخترق" في 2023.
- تحذيرات تم تجاهلها:
- استخبارات استراتيجية واضحة ↔ مؤشرات ميدانية ووثائق استخباراتية.
- افتراضات خاطئة:
- العدو يريد الهدوء في الحالتين.
- تقليص القدرات:
- تجنب تعبئة الاحتياطيات ↔ الاعتماد على التكنولوجيا بدل البشر.
- صدمة وطنية:
- أزمة ثقة عميقة بالنظام في المرتين.
"العدو يرى نقاط العمى ويستغلها"
تؤكد "20il" أن الاختلاف في طبيعة العدو لا يغيّر المعادلة المتكررة: الثقة الزائدة + إهمال المؤشرات = مفاجأة كارثية.
وتشير إلى أن مصر وسوريا في 1973، وحماس في 2023، نجحا في تحديد "نقاط العمى" لدى إسرائيل، والانقضاض منها — وهو ما يعكس فشلًا نظاميًّا في قراءة التهديدات.
وتختتم المنصة التقرير بمقولات غولدا مائير الشهيرة:
- "التشاؤم رفاهية لا يستطيع يهودي أن يسمح لنفسه بها"،
- "إذا وضع العرب أسلحتهم فلن تكون هناك حرب، وإذا وضعت إسرائيل سلاحها فلن تكون هناك دولة"،
- "لا يجوز لأحد أن يمحو الماضي لمجرد أنه لا يناسب الحاضر".
لكنها تخلص إلى أن غولدا، رغم براعتها، كانت جزءًا من نظام فشل في رؤية التغيير القادم.
فـيوم الغفران كشف حدود الثقة بالنفس الوطنية، وخطورة التشبّث برؤى جامدة.
وتسائل المنصة في ختام تقريرها: "هل ستعرف تل أبيب هذه المرة أن تقرأ التحذيرات في وقتها، ونتصرف قبل أن تُسلَّط السكين على رقابنا؟"
المصدر: منصة "20il" الإخبارية الإسرائيلية