مباشر

"الوطن الأم" تنادي.. صرخة خرسانية تهز السماء

تابعوا RT على
صرح "الوطن الأم تنادي" في مدينة فولغوغراد، أحد أعاجيب روسيا والعالم. كان هذا التمثال الذي يبلغ ارتفاعه 85 مترا وقت اكتماله في 15 أكتوبر 1967، الأطول على وجه الأرض.

في تلك الفترة دخل صرح "الوطن الأم" موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأكبر تمثال في العالم. لاحقا احتفظ بهذه المكانة 22 عاما إلى أن ظهر تمثال "سينداي دايكانون" في مدينة سينداي اليابانية.

هذا النصب شيد تخليدا لذكرى أبطال معركة "ستالينغراد"، الاسم الذي كان يطلق سابقا على مدينة فولغوغراد التي دارت حولها فترة غزو قوات ألمانيا النازية للاتحاد السوفيتي واحدة من أشرس المعارك في التاريخ.

اختير للنصب مرتفع "ماماييف كورغان" المطل على المدينة وكان يسمى في التقارير العسكرية وقت الحرب "المرتفع 102".

كانت تلة "ماماييف كورغان" أحد أهم المواقع خلال معركة ستالينغراد. القتال حولها استمر 140 يوما وانتهى في يناير 1943.

استماتت القوات السوفيتية في الدفاع عن تلة "ماماييف كورغان"، ودارت حولها أعنف المعارك ضد جحافل القوات الألمانية النازية وتبادلها الطرفات عدة مرات.

عن ذلك بعد الحرب، قال قائد الجيش السوفيتي 62  فاسيلي تشويكوف: "من المستحيل حساب عدد المرات التي تغيرت فيها الأيدي على التلة".

المؤرخ إيغور بتروفيتش كتب عن هذا الموقع يقول: "كان يطل على المدينة، بانوراما المدينة. تبعا لذلك، في حالة الاستيلاء عليه، كان لدى العدو فرص كبيرة جدا لاستخدام المرتفع لأغراضه الخاصة. يشمل ذلك القصف وإجراء عمليات الاستطلاع والتقدم وكل شيء آخر. أي لو أخذ هذا المرتفع فذلك يعني في الواقع استسلام المدينة بأكملها".

يُقال، لم تظهر أي أعشاب على تلة  "ماماييف كورغان" حتى بعد نهاية معركة ستالينغراد ربيع عام 1943. كانت التلة من أعلاها إلى أسفلها مليئة بالألغام وشظايا القذائف. قبل البدء في بناء الصرح كان لا بد من إبطال مفعول كم هائل من القنابل.

عن هذا الأمر تقول آلا غافريلوفا، كبيرة الباحثين في متحف معركة ستالينغراد: "إزالة الألغام على سفوح التلة استمرت أيضا حوالي ثماني سنوات. خلال فترة إزالة الألغام، نُزع فتيل أكثر من 40.000 قنبلة من مخلفات الحرب هنا – قنابل وقذائف وألغام".

كُلف بمهمة تصميم النصب التذكاري لمعركة ستالينغراد وبنائه، النحات يفغيني فوتشيتش. كان من المفترض في البداية أن يبلغ ارتفاع تمثال "الوطن الأم تنادي"، 30 مترا. يتردد أن الزعيم السوفيتي وقتها نيكيتا خروتشوف قال للنحات: "اجعله أطول من تمثال الحرية في نيويورك".

تمت زيادة حجم التمثال ثلاث مرات تقريبا. لم تكن لمثل هذه الآثار العملاقة سوابق في التاريخ. لذلك، قامت مجموعة من المهندسين المدنيين بتحديد الأسس التكنولوجية والفنية على نموذج بالحجم الطبيعي.

لتنفيذ المهمة كان من الضروري زيادة ارتفاع التلة. ذلك يستوجب إعادة دفن القتلى المدفونين هناك مرة ثانية.

عمليا، موقع نصب "الوطن الأم" بمثابة شاهد قبر عملاق لأكبر مقبرة جماعية في العالم، حيث يرقد رفات 34505 أشخاص.

بُدء العمل في بناء هذا الصرح في عام 1959. تمثال "الوطن الأم تنادي" لم يكن نحتا من الحجر ولم يصنع من البرونز كما هي العادة. بُنى هذا النصب التاريخي الفريد من الخرسانة المسلحة.

أعمال البناء استغرقت ثماني سنوات. أثناء العمل على تعابير وجه "الوطن الام تنادي" في صرخته المدوية، بحث النحات عن التعبير المناسب، وطلب من زوجته أن تصرخ بشدة وكبرياء وغضب. بتعابير من وجه زوجته تجسدت هذه الصرخة الخالدة.

هيكل النصب التذكاري أجوف من الداخل، وسمك جدرانه حوالي 30 سنتيمتر. صُب التمثال من مادة عالية القوة، تسمى الخرسانة سابقة الإجهاد. استخدمت في البناء 5500 طن من الخرسانة و2400 طن من الهياكل المعدنية.

كان سيف التمثال، الذي يبلغ طوله 33 مترا ويزن 14 طنا، مصنوعا من الفولاذ المقاوم للصدأ. وكان الجزء العلوي مغلفا بألواح التيتانيوم لجعله يلمع بشكل رائع تحت أشعة الشمس. لاحقا أعيد صب السيف بالكامل من الفولاذ.

من المعلومات المدهشة الأخرى ان النصب التذكاري يزن 8000 طن، ولا توجد أكوام أو مسامير به. التمثال الهائل يُدعم فقد بقاعدته ويرتكز على ثقله والحساب الدقيق لمركزه.

منذ بنائه، مًنع بتاتا دخول الغرباء إلى تجويفه. لهذا السبب انتشرت العديد من الشائعات والروايات الغريبة. اعتقد البعض بوجود منصة مراقبة في فم التمثال، ومطعم لكبار الشخصيات بالقرب من الأذن. أسطورة شاعت أيضا بعد وقت قصير من اكتمال الصرح بأن رجلا دخل التجويف ولم يره أحد بعد ذلك.

في الوقت الحالي يمكن رؤية تمثال "الوطن الأم تنادي" من مسافة عشرات الكيلومترات من مدينة فولغوغراد. امرأة تهب وهي ترفع سيفها عاليا في صرخة أبدية مدوية للدفاع عن الوطن.

 المصدر: RT

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا