خلفية هذه الأزمة الأمريكية الداخلية والتي تبدو غريبة بالنسبة لنا في الوقت الراهن تعود إلى عام 1954 حين قضت المحكمة العليا الأمريكية بعدم دستورية الفصل العنصري في المدارس الحكومية، مُلغية بذلك مبدأ "منفصل لكن متساو".
عقب هذا القرار وافق مجلس مدارس مدينة "ليتل روك"، عاصمة ولاية أركنساس الأمريكية على خطة دمج تدريجية بدء العمل بها في مدرسة "سنترال" الثانوية خريف عام 1957.
اختير تسعة طلاب من ذوي البشرة السوداء بعناية لتنفيذ عملية الادماج، لكن حاكم الولاية أورفال فوبوس كان له موقف معارض لتدخل السلطات الفيدرالية.
استغل فوبوس المشاعر المؤيدة للفصل العنصري وكانت قوية في تلك الفترة، وأمر الحرس الوطني في ولاية أركنساس بمحاصرة مدرسة "سنترال" الثانوية في 4 سبتمبر 1957، لمنع الطلاب التسعة من الدخول إليها.
حاول الطلاب السود التسعة في 4 سبتمبر الدخول إلى مدرستهم الجديدة، إلا أن الحرس الوطني منعهم، وحين هم هؤلاء بالعودة إلى منازلهم تعرضوا لمضايقات من حشد غاضب من أنصار سياسة الفصل العنصري.
بعد ذلك في 20 سبتمبر أمر قاضي المحكمة الجزئية الفيدرالية رونالد ديفيز حاكم الولاية بإزالة الحرس الوطني من المدرسة والتوقف عن إعاقة عملية الادماج.
امتثل حاكم الولاية أورفال فوبوس للقرار وسحب قوات الحرس الوطني التابعة للولاية، وكُلفت إدارة شرطة المدينة بتولي مسؤولية حماية الطلاب.
جرت محاولة ثانية لدخول الطلاب التسعة إلى مدرستهم الثانوية في 23 سبتمبر. وضعت إدارة المدرسة خطة لتأمين دخولهم وإلهاء الحشد الغاضب الذي تجمع أمام بوابة المدرسة الأمامية. أدخل الطلاب من باب جانبي في الساعة 09:25، فيما عملت الشرطة على إلهاء الحشد وتشتيت انتباهه.
نجحت خطة "تهريب" الطلاب إلى داخل المدرسة في البداية. دخل الطلاب النسعة لأول مرة إلى المدرسة وتم تسجيلهم بشكل رسمي وتمكنوا من الدخول إلى فصولهم والجلوس على مقاعدهم.
الخبر انتشر بسرعة في المدرسة، وبدأ الطلاب البيض يصرخون قائلين: "الزنوج في المدرسة"!.
ثار غضب الحشود أمام المدرسة وانضم إليهم آخرون حتى زاد عددهم عن الألف.
انفجر غضب المحتشدين وبدأت أعمال الشغب. تعرض الصحفيون السود للاعتداء وحتى البيض الذين اعتقد أنهم يتعاطفون مع سياسة الاندماج. وحاول الحشد اقتحام المدرسة وأفراده يهتفون: "أخرجوهم وأعدموهم".
تدهورت الأوضاع بشدة، واتخذت إدارة المدرسة قرارا بإخراج الطلاب التسعة خوفا على حياتهم. هُربوا من باب جانبي ونقلوا بعيدا بواسطة سيارات الشرطة.
انتشرت صور وتقارير صحفية عن الحشود العنيفة ومحاولة الادماج الفاشلة والعجز عن تنفيذ القانون وفرض النظام، وأحست السلطات الأمريكية بالحرج وتخوفت من استغلال القضية من خصومها في تلك الفترة من الحرب الباردة.
اتخذ الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور قرارا في 24 سبتمبر نقل بموجبه الحرس الوطني في أركنساس من سلطة الحاكم فوبوس إلى السلطة الاتحادية، وأمر بإرسال فرقة الجيش الأمريكي المحمولة جوا 101 إلى مدينة ليتل روك.
تحت حماية قوات المظليين تمكن الطلاب السمر التسعة في 25 سبتمبر من الدخول إلى مدرسة "سنترال" الثانوية والجلوس على مقاعدهم، وبدأوا أول يوم دراسي مع أقرانهم البيض.
الأزمة لم تنته تماما. تعرض الطلاب التسعة للإساءة اللفظية والجسدية بشكل مستمر من قبل قسم من الطلاب البيض لفترة طويلة، إلا أن الحادثة كانت بمثابة نقطة تحول حاسمة دفعت الرئيس الأمريكي إلى استخدام القوة العسكرية من أجل فرض قرار المحكمة العليا وحماية حقوق تسعة طلاب سود.
المصدر: RT