نصيحة ترامب وخاصة ربطه "الباراسيتامول" بمرض التوحد توصف بأنها مثيرة للجدل. العديد من المؤسسات الطبية الكبرى تقول إن الأدلة العلمية الحالية تؤكد أنه لا يزال يعتبر آمنا بالنسبة للحوامل، إذا تم تعاطيه وفقا للإرشادات.
هذا الدواء لديه أسماء عديدة. يعرف في الولايات المتحدة وكندا واليابان باسم "أسيتامينوفين"، وتوجد عدة علامات تجارية شائعة له مثل "تايلينول" و"بنادول".
اللافت أن هذا الدواء تم تحضيره من قبل الكيميائي الأمريكي هارمون نورثروب مورس في القرن التاسع عشر وتحديدا عام 1877. الدواء دخل الممارسات السريرية لأول مرة على يد الطبيب الألماني جوزيف فون مرينغ في عام 1887.
عقار "الباراسيتامول" يستخدم بشكل رئيس في تسكين الآلام الخفيفة والمتوسطة، مثل الصداع وآلام العضلات وآلام الأسنان، وهو أيضا مُخفض للحرارة.
ما يلفت أيضا أن آلية عمل هذا الدواء الدقيقة غير مفهومة بشكل كامل. يُعتقد أنها تعمل بشكل رئيس في الدماغ من خلال منع إشارات الألم، كما أنها تنظم درجة الحرارة.
الدواء يُوصف بأنه آمن بشكل عام في حالة تعاطي الجرعات المُوصى بها، في حين أن استخدامه المفرط قد يسبب تلفا خطيرا في الكبد.
يُقال عنه أيضا أنه من مسكنات الألم القليلة التي تعتبر آمنة بالنسبة للنساء في فترة الحمل.
إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ذكرت انها بدأت عملية تحديث لملصقات السلامة بالنسبة لهذا الدواء، مشيرة إلى أن دراسات تظهر ارتباطه "بزيادة خطر الإصابة بـ"التوحد" أثناء الحمل.
هذا الإعلان قوبل بانتقادات حادة من هيئات طبية وخبراء بارزين. هؤلاء أشاروا إلى عدم وجود ما يدعمه من أدلة علمية.
خبراء جادلوا بأنه على الرغم من أن بعض الدراسات المبنية على الملاحظة أشارت إلى وجود صلة محتملة، لكن هذه الدراسات تعاني من قيود كبيرة ولا يمكنها إثبات أن "الباراسيتامول" يسبب التوحد. الارتباط المذكور بحسب أصحاب هذا الرأي، قد يكون ناجما عن عوامل أخرى مثل العلة المرضية الأساسية كالحمى أو العدوى التي دفعت إلى تعاطي هذا الدواء.
علاوة على ذلك، لم تجد دراسة نشرت في عام 2024 في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية، بعد أن حللت بيانات 2.5 مليون طفل في السويد، أي دليل على زيادة خطر الإصابة بالتوحد أو اضطرابات فرط الحركة ونقص الانتباه أو الإعاقة الذهنية، بالمقارنة مع الأطفال الآخرين الذين كانوا عرضة للدواء بشكل مختلف في الرحم.
المثير أن الكلية الأمريكية لأطباء التوليد وأمراض النساء تحذر من أن هذا الإعلان "يُبسط بشكل خطير" قضية مُعقدة، مشيرة إلى أن ارتفاع درجة الحرارة من دون علاج أثناء الحمل عامل معروف بمضاعفاته الخطيرة، بما في ذلك الإجهاض والعيوب الخلقية.
الكلية الأمريكية المختصة لفتت إلى أن "الباراسيتامول" في الغالب قد يكون الخيار الوحيد الذي يساعد من دون وصفة طبية في احتواء هذا الخطر، وذلك لأن البدائل الأخرى مثل "الإيبوبروفين" لا تُعتبر آمنة أثناء الحمل.
طبيبة التوليد وأمراض النساء الروسية ليوبوف إروفيفا قالت في هذا الشأن: "يُعد الباراسيتامول أكثر مُسكنات الألم وخافضات الحرارة أمانا. يُستخدم على نطاق واسع في طب الأطفال، وأكثر من ذلك لدى البالغين. وفي بداية الحمل، لا تؤثر المواد الكيميائية التي تتناولها الأم سلبا على الجنين. لا توجد آلية عمل. أعتقد أن التوحد مرض معقد للغاية ومتعدد العوامل. البحث عن السبب في هذه المشكلات، أعتقد أنه خاطئ. هذه فرضية واحدة، على ما أعتقد".
في الجهة المقابلة، يميل دينيس إيفانوف، البروفيسور الروسي المتخصص في العلوم الطبية إلى الاتفاق مع العلماء الأمريكيين، مشيرا إلى أن جهاز الجنين العصبي يتشكل خلال المراحل الأولى من الحمل. وأن استخدام أي ادوية وخاصة المناعية الحيوية، له تأثير بالغ على الجنين.
بين هذا وذاك، تواصل هيئات كبيرة مثل الكلية الأمريكية لأطباء التوليد وأمراض النساء، وإدارة السلع العلاجية الأسترالية التأكيد أن "الباراسيتامول" آمن للاستخدام أثناء الحمل. والسر يكمن في استخدامه بحذر.
هذا يعني أن الرئيس الأمريكي ترامب أطلق بتحذيره الحوامل من مخاطر "الباراسيتامول" جدلا واسعا ربما سيستمر فترة طويلة من الزمن.
المصدر: RT