هجوم روسي أطبقت فيه "السماء على الأرض"!
انطلقت يوم 4 يونيو 1916 على الجبهة الجنوبية الغربية عملية عرفت باسم اختراق "لوتسك". هذا الهجوم الكاسح استمر حتى 10 أغسطس، وكان الأكبر للجيش الروسي خلال الحرب العالمية الأولى.
يوصف اختراق "لوتسك" بأنه حدث في ساحات القتال غير إلى الأبد فنون الحرب وتكتيكاتها، ما دفع أحد الخبراء العسكريين إلى وصفه بأنه "سيمفونية حقيقية للعبقرية الاستراتيجية".
خطط ونفذ هذا "الاختراق التاريخي" الجنرال الروسي أليكسي بروسيلوف، ضد جيوش الإمبراطورية النمساوية المجرية.
بدلا من اتباع التكتيك التقليدي المتمثل في حشد كل قواته وضرب نقطة واحدة، وضع بروسيلوف خطة هجوم متزامن على كامل الجبهة. وجه الضربات إلى 13 قطاعا على طول خط النار في وقت واحد لحرمان العدو من فرصة المناورة بقوات الاحتياط.
كانت قوات الإمبراطورية النمساوية المجرية تحتمي خلف تحصينات منيعة تتكون من ثلاثة خطوط يصل عمقها إلى 5 كيلومترات، وكانت مزودة بخنادق ومخابئ وأسلاك شائكة.
قائد هذا الهجوم الجنرال أليكسي بروسيلوف وكان عمره في ذلك الوقت 63 عاما، ينحدر من عائلة امتهنت الجندية، وكان يتحلى بتفكير استراتيجي ومرونة تكتيكية وصرامة مع الضباط واهتمام بالجنود ومهارة في القيادة وموهبة في ابتكار الأساليب الجديدة.
تفاصيل الاختراق الكاسح:
بدأت العملية الهجومية الساعة الرابعة فجرا والخنادق غارقة في الضباب، بقصف مدفعي مكثف على المواقع النمساوية المجرية واستمر حتى الظهر. المدفعية الروسية في هذا القصف التمهيدي استخدمت تكتيكا ذكيا. بعد الضربات الأولى توقف القصف ما استدرج العدو للخروج من مخابئه الحصينة، ثم استأنف الروس إطلاق النار بالمدفعية، ما تسبب في فوضى عارمة في صفوف القوات النمساوية.
المرحلة الثانية في هذا الهجوم بدأت الساعة 12 ظهرا، باندفاع صفوف من المشاة الروس في هجمات متتالية نجحت في اختراق التحصينات في 13 قطاعا من الجبهة بطول 35 كيلو مترا.
كتب أحد الضباط النمساويين في وقت لاحق في وصف المشهد قائلا:" كان الأمر كما لو أن السماء أطبقت على الأرض"، وعلّق أحد قادة أركان الجيوش النمساوية منفعلا بقوله: "يبدو أن الروس أصيبوا بالجنون... إنهم يهاجمون في كل مكان".
وصفت الساعات الأولى من الاقتحام بانها "رقصة حقيقية مع الموت"، حيث ظهر الجنود الروس الذين أطلق عليهم النمساويون اسم "الاشباح الرمادية" بسبب لون معاطفهم، كما لو أنهم أتوا من العدم.
كانت التكتيكات القديمة تجري في مثل هذه الهجمات بسلاسل كثيفة من المهاجمين، لكن الجنرال بروسيلوف كسر هذا النمط أيضا، وجعل جنوده يتقدمون في مفارز صغيرة مستغلين التضاريس والفجوات التي حفرتها المدفعية في اسوار الاسلاك الشائكة.
تواصل زخم الهجوم لساعات وواصلت وحدات المشاة الروسية التقدم بوتيرة عالية، ما حرم القيادة النمساوية من إمكانية الرد بطريقة مناسبة على أوضاع متغيرة باضطراد.
بنهاية عملية الاختراق التي حملت فيما بعد لقب مبتكرها وأصبحت تسمى "اختراق بروسيلوف" فقد الجيش النمساوي أكثر من مليون ونصف المليون شخص بين قتيل وجريح وأسير، وتم الاستيلاء على مئات المدافع وآلاف البنادق الرشاشة وكميات هائلة من الذخائر ومستودعات التموين، كما جرى اختراق الجبهة على عمق 120 كيلو مترا، وهو أمر غير مسبوق في الحرب العالمية الأولى.
هذه العملية الهجومية المبتكرة وجهت ضربة قاصمة للقوات النمساوية المجرية، وأجبرت ألمانيا على نقل قوات كبيرة من الجبهة الغربية ما خفف الضغط بشكل كبير على الفرنسيين في منطقة فردان.
دخل "اختراق بروسيلوف" المناهج في الأكاديميات العسكرية في أوروبا. ودُرست تكتيكاته الجديدة وقتها المتمثلة في الضربات المتزامنة على طول خط الجبهة، واستخدام الاستطلاع والتمهيد المدفعي القصير، واستخدام مجموعات المشاة في الهجوم، وأصبح كل ذلك من أسس الفنون العسكرية في القرن العشرين.
اللافت أيضا أن الألمان وقتها وكانوا أساتذة التخطيط العسكري، تبنوا العديد من عناصر "تكتيكات بروسيلوف"، حتى أن الجنرال ماكس هوفمان، وكان أحد أفضل القادة الالمان في الحرب العالمية الأولى كتب بعد الحرب يقول: "لو كنا أدركنا جوهر هذه الابتكارات في وقت سابق، لكانت نتيجة الحرب ربما مختلفة".
المصدر: RT
إقرأ المزيد
"نقطة الارتكاز" تحت عدسات قمر تجسس أمريكي!
سعت الاستخبارات الأمريكية بجميع الطرق بما في ذلك بواسطة قمر صناعي خاص بالتجسس إلى جمع أكبر قدر من المعلومات عن طائرة "ميغ – 29" السوفيتية.
أيهما الأقوى؟.. توماهوك الأمريكي أم كاليبر الروسي؟
كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن احتمال تزويد الولايات المتحدة أوكرانيا بصواريخ توماهوك المجنحة، فما النظير الروسي لهذا السلاح وأيهما الأقوى؟
العملية العسكرية التي "ضربت كل المنطق"
تعد معركة "باغراتيون" واحدة من أكبر العمليات العسكرية في التاريخ، يكفي للدلالة على ذلك أن أكثر من مليوني ونصف المليون جندي وضابط شارك فيها من الجانبين.
أكبر مروحيات العالم.. إنجازات سوفيتية وأمريكية في سماء الحرب والتطوير (صور)
قامت الولايات المتحدة في 10 يونيو 1987 بتجربة مروحية شحن متوسطة ذات مروحة مزدوجة هذه الطائرة صممت لتطوير تقنيات المروحيات، ولم يصنع منها إلا طائرة واحدة فقط.
وصية جنرال صد هجوما على مصر: "إياكم والزحف نحو روسيا!"
قاد برنارد مونتغمري مفارز من الجنود في الحرب العالمية الأولى ثم قاد الجحافل في الحرب العالمية الثانية، وبعد تقاعده وضع قاعدتين أساسيتين للحرب، الأولى خاصة بروسيا والثانية بالصين.
طنين يوم القيامة.. من يبثه؟
نقلت وسائل إعلام مؤخرا عن هواة رصد إشارات الراديو عودة نشاط "إذاعة يوم القيامة" التي يُسمع طنينها على الموجات القصيرة على مدى عدة عقود. التوقيت هذه المرة أضفى هالة من الرعب أكبر.
فصيلة دم نادرة بين "معبد ذهبي" و"عرش خالد"!
بلغت واحدة من الأحداث العنيفة في تاريخ الهند الحديث أوجها في 6 يونيو 1984 باقتحام الجيش لقدس أقداس "السيخ"، المعبد الذهبي بمدينة "أرميتسار". بعدها رد السيخ بعملية اغتيال كبرى.
خيانة "فيروز" ليلة سقوط بوابة سوريا وفلسطين
كان احتلال الصليبيين لمدينة أنطاكية في 3 يونيو عام 1098 خلال حملتهم الأولى، درسا كبيرا في التاريخ عن آثار الحصار والجوع والمدى الذي يمكن أن تصل إليه الخيانة.
"شبح" أمريكي يسقط فوق جامعة يابانية!
تحطمت طائرة حربية أمريكية طراز فانتوم " أر إف – 4 سي 2" داخل حرم جامعة كيوشو اليابانية بمدينة "فوكوكا" في 2 يونيو 1968 إثر سقوطها أثناء طلعة تدريبية.
سجالات "حرب الظل" بين إيران وإسرائيل!
غرقت السفينة "أي أر أي إس خرج"، وكانت تعد أكبر سفينة في القوات البحرية الإيرانية في خليج عمان في 2 يونيو 2021 بالقرب من ميناء "جاسك" بعد حريق استمرت جهود إطفائه 20 ساعة.
هزم القذافي وهتف بسقوط فرنسا.. قصة زعيم حكم بلاده بالحديد والنار
كان حسين حبري إحدى الشخصيات التي لعبت أدوارا هامة في الصراع على السلطة في تشاد سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وكان محاربا صلبا ومراوغا عنيدا.
السفينة التي لم تختفِ.. كيف ظلّت "بسمارك" محفوظة تحت ضغط المحيط؟
بعد ملاحقة طويلة وهجمات بريطانية محمومة بالطوربيدات من البحر والجو، غرقت البارجة الألمانية "بسمارك" في 27 مايو 1941 قبالة سواحل إيرلندا وهوت إلى القاع على عمق حوالي 5 كليو مترات.
التعليقات