"هبوط الساحة الحمراء".. أسرار مغامرة جوية أطاحت بقيادات الدفاع الجوي السوفيتي
تظهر العديد من الصدف الغريبة في رحلة الألماني ماتياس روست، بطائرته الخفيفة "سيسنا 172 سكاي هوك" انطلاقا من فنلندا وانتهاء بالهبوط قرب الساحة الحمراء في موسكو في 28 مايو 1987.
سلسلة من المفارقات دفعت خبراء إلى التشكيك في أن تكون هذه المغامرة الجوية مجرد مبادرة شخصية من شاب من ألمانيا الغربية لا يزيد عمره عن 19 عاما، قرر المجازفة بحياته من تلقاء نفسه واختراق حدود الدولة السوفيتية التي كانت تعيش أوقاتا صعبة ما قبل الانهيار.
كان ماتياس روست يبلغ من العمر وقتها 19 عاما، لكنه كان حاصلا على رخصة طيار، ولا غرابة في ذلك نظرا لأن والده كان يدير شركة تبيع طائرات "سيسنا" الخفيفة، فكيف استعد لهذه الرحلة الخطيرة وغير المسبوقة في تلك الحقبة المضطربة؟
الشاب استعد جيدا للرحلة الخطرة، وطار حول شمال أوروبا بأكمله تقريبا بما في ذلك آيسلندا. قطع في تلك الرحلة مسافة تزيد عن 4184 كيلو مترا معظمها فوق البحر، واكتسب الخبرة الضرورية لتنفيذ مغامرته الكبيرة.
علاوة على ذلك، قام روست بنزع المقاعد الخلفية في طائرته الصغيرة، وركب مكانها خزانات وقود إضافية، ما زاد في مدى طيرانها بشكل كبير. السؤال الماثل منذ 38 عاما، هل فعل حقا كل ذلك بمفرده ومن تلقاء نفسه؟
في نقطة انطلاقه هلسنكي، ملأ الشاب الألماني طائرته بالوقود، وأبلغ المراقب الجوي أنه سيتوجه إلى ستوكهولم، ثم أقلع في الساعة الواحدة وعشر دقائق ظهر يوم 28 مايو 1987. طار في مساره المحدد لمدة عشرين دقيقة ثم غير اتجاهه وتوجه نحو الحدود السوفيتية، وقام بإغلاق جهاز الاتصال اللاسلكي وفقد المراقب الجوي الاتصال معه.
تصرف هذا الشاب بدقة وفقا للقواعد والعلوم العسكرية في مثل هذه الظروف. طار على ارتفاع منخفض بين 80 إلى 100 متر، كي يتجنب رصد رادارات منظومات الدفاع للجوي السوفيتية لأطول فترة ممكنة. تصادف أيضا، بصورة مريبة، أن توافق مسار طيرانه مع مسار الطائرات المدنية.
بعد انقطاع الاتصال ببرج مراقبة الملاحة الجوية في هلسنكي، بدأ رجال الإنقاذ في البحث عن الطائرة المفقود، وكان يعتقد أنها سقطت، خاصة بعد رصد بقطعة زيت على الماء في منطقة آخر اتصال بهذه الطائرة الخفيفة. سلطات فنلندا المختصة استدعت غواصين للبحث عن الحطام.
بلغ روست بطائرته حدود الاتحاد السوفيتي و"استرشد" بمعلم كبير هو مصنع النفط الصخري ببلدة "كوتلا بارفي" في إستونيا، وكان الدخان المنبعث من المداخن مرئيا بوضوح على مسافة تصل إلى 100 كيلو متر.
مع كل الاحتياطات "الدقيقة" جدا التي اتخذها الطيار الهاوي قليل الخبرة، رصد طائرته الرادار السوفيتي "بي – 15" التابع لفرقة الدفاع الجوي 14 وقام بمتابعته، جرى تحذير منظومات الدفاع الجوي في منطقة لينينغراد الجوية. حُددت الطائرة الدخيلة الصغيرة برمز الهدف القتالي 8255، ولكن لم يتم إسقاطها. بعد الحادثة المأساوية التي جرت لطائرة البوينغ الكورية الجنوبية في عام 1984، تلقى الدفاع الجوي السوفيتي أوامر صارمة بعدم استهداف الطائرات المدنية.
في ذلك الوقت، بدأت الأحوال الجوية في المنطقة تسوء، ومنعت السحب المنخفضة والأمطار الغزيرة طائرتين من طراز "ميغ – 23" من رصد طائرة الشاب الألماني بصريا. ثم فجأة اختفت الطائرة الصغيرة الدخيلة من شاشات الرادار تماما، وتم إنهاء مهمة التعامل مع الهدف "8255".
حين دخلت طائرة ماتياس روست منطقة موسكو للدفاع الجوي، ظهرت على شاشات الرادار، لكن تصادف مجددا أن أحد أفواج الطيران كان يجري طلعات تدريبية، وكانت 12 طائرة تحلق في المنطقة. تغير رمز التعريف بالطائرة الدخيلة إلى "صديقة" ما أعطى الحرية لطائرة روست في مجال الاتحاد السوفيتي الجوي. لاحقا في أعقاب حادث اصطدام طائرتين مقاتلتين اعتبرت "سيسنا" إحدى الطائرات التي أرسلت إلى موقع الحطام.
وصلت طائرة الشاب الألماني بحلول الساعة 17:40 إلى أجواء مطار موسكو، وأعلنت حالة الإنذار في مطار "شيريميتيفو"، وجرى أيضا إغلاق منطقة استقبال ومغادرة الطائرات المدنية. في ذلك الوقت لم يرد روست على نداءات المراقبين الجويين في المطار الروسي المدني.
وأخيرا وصلت طائرة "سيسنا" إلى هدفها. قام روست بثلاثة محاولات فاشلة للهبوط على أرضية الساحة الحمراء، ثم قرر الهبوط على جسر "موسكفوريتسكي" القريب. تمكن رجال المرور من تشغيل إشارات المرور في اللحظة الأخيرة لتجنب وقوع كارثة. وحالف الحظ مجددا روست وتمكن من الهبوط في فضاء بعيد عن خطوط كهرباء عربات الترام.
جرى القبض على ماتياس روست بعد فترة وجيزة من هبوطه، وقضى أكثر من عام قيد التحقيق ثم طرد من الاتحاد السوفيتي.
تسبب الحادث المليء بالصدف الغريبة، في إقالة وزير الدفاع، المارشال ليونيد سوكولوف، والقائد العام لقوات الدفاع الجوي، ألكسندر كولدونوف، وفقد العديد من الضباط الآخرين مناصبهم. الأمر الذي بقي غامضا منذ ذلك الحين، مدى عفوية تلك المغامرة الجوية الغريبة والمليئة بـ "الصدف".
المصادر: RT
إقرأ المزيد
أرمسترونغ وسطح القمر.. ما وراء العبارة التاريخية وهل كانت معدة مسبقاً أم عفوية؟
لا يزال الجدل دائرا حول رحلة مركبة الفضاء الأمريكية إلى القمر عام 1969. من ذلك جدل حول عبارة قائدها نيل أرمسترونغ: "هذه خطوة صغيرة للإنسان، لكنها قفزة عملاقة للبشرية جمعاء".
العملية العسكرية التي "ضربت كل المنطق"
تعد معركة "باغراتيون" واحدة من أكبر العمليات العسكرية في التاريخ، يكفي للدلالة على ذلك أن أكثر من مليوني ونصف المليون جندي وضابط شارك فيها من الجانبين.
محاولة إيقاظ "أوروبا المدللة" بالنار!
بعد مواجهة عنيفة سبقتها عملية مراقبة دقيقة، جرى بمدينة فرانكفورت أم ماين في ألمانيا الغربية مطلع يونيو 1972 القبض على أندرياس بادر، أحد أهم قادة ومؤسسي منظمة الجيش الأحمر.
خيانة "فيروز" ليلة سقوط بوابة سوريا وفلسطين
كان احتلال الصليبيين لمدينة أنطاكية في 3 يونيو عام 1098 خلال حملتهم الأولى، درسا كبيرا في التاريخ عن آثار الحصار والجوع والمدى الذي يمكن أن تصل إليه الخيانة.
"شبح" أمريكي يسقط فوق جامعة يابانية!
تحطمت طائرة حربية أمريكية طراز فانتوم " أر إف – 4 سي 2" داخل حرم جامعة كيوشو اليابانية بمدينة "فوكوكا" في 2 يونيو 1968 إثر سقوطها أثناء طلعة تدريبية.
لغز جثة شابة عارية في خزان مياه بفندق أمريكي!
اختفت طالبة كندية تبلغ من العمر 21 عاما في ظروف غامضة في فندق "سيسيل" بمدينة لوس أنجلوس عام 2013. القصة حيرت الخبراء وحظيت باهتمام واسع في مواقع التواصل الاجتماعي.
هزم القذافي وهتف بسقوط فرنسا.. قصة زعيم حكم بلاده بالحديد والنار
كان حسين حبري إحدى الشخصيات التي لعبت أدوارا هامة في الصراع على السلطة في تشاد سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وكان محاربا صلبا ومراوغا عنيدا.
السحل بالأفيال.. السر وراء جحافل روما التي لا تقهر
فرض الانضباط في روما القديمة بالحديد والنار، وكان الموت ينتظر كل من تصدر عنه بادرة تمرد أو وهن، وعدت الأساليب العقابية الرهيبة أحد أسس القدرات القتالية العالية للجحافل الرومانية.
السفينة التي لم تختفِ.. كيف ظلّت "بسمارك" محفوظة تحت ضغط المحيط؟
بعد ملاحقة طويلة وهجمات بريطانية محمومة بالطوربيدات من البحر والجو، غرقت البارجة الألمانية "بسمارك" في 27 مايو 1941 قبالة سواحل إيرلندا وهوت إلى القاع على عمق حوالي 5 كليو مترات.
صفعة بريجيت لماكرون.. ماذا لو حدثت قبل قرن؟
تحولت الصفعة التي امتدت إلى وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مطار هانوي بيد زوجته بسرعة من عملية لفقت بواسطة الذكاء الاصطناعي، إلى شجار زوجي عادي ثم مزحة وحتى صفعة ودية.
كاسحة جليد وخيمة حمراء وشبهات أكل لحوم بشر!
في محاولة عنيدة لاستكشاف القطب الشمالي في 23 مايو 1928، انطلقت من النرويج بعثة تتكون من 16 شخصا على متن منطاد أطلق عليه اسم "إيطاليا" في رحلة خطرة رأى المشاركون فيها الأهوال.
اصطدام بـ"غواصة مجهولة" في أعماق المحيط
رصدت الغواصات السوفيتية على مدى عقود الكثير من الظواهر الغريبة في بحار ومحيطات العالم، ورويت وقائع عن لقاءات مع أجسام مجهولة في الجو وفي الماء، وذات مرة حدث اصطدام خطير معها.
تفاصيل مجهولة عن حادثة الفرقاطة الأمريكية "ستارك" ومصير الطيار العراقي المهاجم
أحاط الغموض لسنوات طويلة جوانب من حادثة قصف طائرة حربية عراقية فرقاطة أمريكية في الخليج في 17 مايو 1987، ما أدى إلى تدمير قسم منها ومقتل 37 بحارا وإصابة 21 آخرين.
التعليقات