السفينة التي لم تختفِ.. كيف ظلّت "بسمارك" محفوظة تحت ضغط المحيط؟
بعد ملاحقة طويلة وهجمات بريطانية محمومة بالطوربيدات من البحر والجو، غرقت البارجة الألمانية "بسمارك" في 27 مايو 1941 قبالة سواحل إيرلندا وهوت إلى القاع على عمق حوالي 5 كليو مترات.
قُتل وغرق مع السفينة الحربية الألمانية الأكبر في الحرب العالمية الثانية أثناء تنفيذها مهمتها الأولى والأخيرة، 2104 بحار من طاقمها، ونجا 116 فقط. حطام هذه السفينة الألمانية الأسطورية في حجمها وتسليحها ومصيرها المأساوي، لا يزال حتى الآن في مكانه بقاع المحيط الأطلسي.
بعد عدة محاولات مختلفة، تمكن روبرت بالارد، الضابط السابق في البحرية الأمريكية وأستاذ علم المحيطات في جامعة رود آيلاند الذي كان اكتشف في عام 1985 السفينة الشهيرة "تيتانيك" من العثور في 8 يونيو 1989 على البارجة "بسمارك" في قاع المحيط على بعد 600 ميل غرب سواحل مدينة "بريست" الفرنسية.
يوجد هيكل البارجة "بسمارك" في القاع في وضع أفقي مرتكزا على عارضة متساوية ومغمورة في الوحل على طول خط الماء. على الرغم من الأضرار التي لحقت بالسفينة في تلك المعركة اليائسة جراء الطوربيدات وقذائف المدفعية وكذلك التيارات البحرية، إلا ان هيكلها محفوظ بشكل مثير للدهشة.
يقول الخبراء أن عددا قليلا من حطام السفن يمكن أن يبقى في مثل هذه الحالة الممتازة. هيكل السفينة الحربية الألمانية كان سليما باستثناء قطعة ممزقة من المؤخرة يبلغ طولها حوالي عشرة أمتار ونصف.
رصدت البعثة التي عثرت على السفينة أن أبراج مدافعها الرئيسة تمزقت في لحظاتها الأخيرة قبل ان تنقلب وتغرق تحت وطأة وزنها، وهي الآن مغروسة رأسا على عقب في القاع.
لوحظ أيضا أن أبراج المدافع من العيارات المتوسطة والمدافع المضادة للطائرات بقيت سليمة ولم تلحق بها أضرار، وهي لا تزال في أماكنها. كما بقيت أبراج البارجة "بسمارك" الأمامية والخلفية وكذلك جسر الملاحة في أماكنها، على الرغم من الأضرار الجسيمة التي تعرضت لها. بين قطع الحطام المحيطة بالهيكل، لا يزال من الممكن رؤية الصاريين الأمامي والرئيس وأيضا المدخنة وأجهزة تحديد المدى.
المسح الذي أجراه بالارد، مستكشف الآثار في أعماق البحار والمحيطات، أظهر عدم وجود اختراقات تحت الماء لقلعة السفينة المذرعة بالكامل، فيما عثر على ثماني ثقوب في الهيكل، واحد على الجانب الأيمن وسبعة على الأيسر، وجميعها فوق خط الماء.
من النتائج الهامة التي توصلت إليها البعثة الأولى، التأكيد على عدم وجود أدلة على حدوث الانفجارات الداخلية التي عادة ما تحدث حين يغرق هيكل السفينة قبل غمره بالماء، وذلك لأن المياه المحيطة لها ضغط أكبر بكثير من ضغط الهواء داخل الهيكل.
يدل ذلك على أن مقصورات البارجة "بسمارك" امتلأت بالمياه أثناء الغرق، ما يؤكد رواية الناجين من أفراد الطاقم بأن السفينة تم إغراقها عمدا بتخريب صمامات غرفة المحرك حتى لا تقع غنيمة بيد البريطانيين.
بالارد احتفظ بموقع حطام السفينة الحربية الألمانية الشهيرة سرا، لمنع الغواصين الآخرين من الوصول إليها وانتزاع قطع تذكارية منها. هذا السلوك ممارسة شائعة وشبيهة جدا بعمليات نبش القبور.
المتخصصون يتوقعون أن تبقى بقايا "بسمارك" في قاع المحيط لعدة مئات من السنين على الأقل، استنادا إلى الحالة الجيدة لمكوناتها السطحية.
بحسب القوانين الدولية تعد بقايا البارجة "بسمارك" الغارقة في المياه الدولية، ملكا للبلد الأصلي، وهي تتمتع بوضع "مقبرة حرب".
بعد اكتشاف بعثة رود آيلاند موقع خطام البارجة، قالت الحكومة الألمانية في ذلك الحين في بيان بالخصوص: "جمهورية ألمانيا الاتحادية تعلن نفسها مالكة للبارجة بسمارك. يتطلب أي اختراق للبدن، وكذلك محاولات رفع الهيكل أو أجزائه، موافقة مسبقة من حكومة جمهورية ألمانيا الاتحادية. في الحالات الأخرى، تم حظر أي عمل مع أو في بقايا السفن المفقودة أثناء القتال في البحر خلال الحرب العالمية الثانية بشكل صارم، وذلك لأن هذه السفن قد تحتوي على رفات البحارة القتلى. ترى الحكومة أن من واجبها الحفاظ على سلام أولئك الذين ماتوا على متن البارجة أثناء أداء واجبهم العسكري. ووفقا لروح وواجب الأعراف البحرية الدولية، نعتبر البارجة مقبرة جماعية للبحارة الذين قضوا على متنها، ونطالب بالاحترام الواجب لرفاتهم".
لاحقا استكشفت بعثة ثانية بين 5 إلى 14 يونيو 2001 مدفن السفينة "بسمارك"، وعمل الفريق على متن سفينة الأبحاث الروسية الشهيرة "نيس أكاديميك كيلديش" التي تحتوي على مركبتي الأعماق مير. وهما مركبتان استعملتا أيضا في عملية استكشاف حطام السفينة "تيتانيك".
المصدر: RT
إقرأ المزيد
خفايا الهجوم الإسرائيلي على سفينة "الحرية"!
بسبب طريقة تنفيذه، يمكن وصف هجوم القوات الجوية والبحرية الإسرائيلية على السفينة الأمريكية "يو إس إس ليبرتي" خلال حرب الأيام الستة بأنه الأكثر جدلا في تاريخ البحرية الأمريكية.
هجوم روسي أطبقت فيه "السماء على الأرض"!
انطلقت يوم 4 يونيو 1916 على الجبهة الجنوبية الغربية عملية عرفت باسم اختراق "لوتسك". هذا الهجوم الكاسح استمر حتى 10 أغسطس، وكان الأكبر للجيش الروسي خلال الحرب العالمية الأولى.
محاولة إيقاظ "أوروبا المدللة" بالنار!
بعد مواجهة عنيفة سبقتها عملية مراقبة دقيقة، جرى بمدينة فرانكفورت أم ماين في ألمانيا الغربية مطلع يونيو 1972 القبض على أندرياس بادر، أحد أهم قادة ومؤسسي منظمة الجيش الأحمر.
سجالات "حرب الظل" بين إيران وإسرائيل!
غرقت السفينة "أي أر أي إس خرج"، وكانت تعد أكبر سفينة في القوات البحرية الإيرانية في خليج عمان في 2 يونيو 2021 بالقرب من ميناء "جاسك" بعد حريق استمرت جهود إطفائه 20 ساعة.
السحل بالأفيال.. السر وراء جحافل روما التي لا تقهر
فرض الانضباط في روما القديمة بالحديد والنار، وكان الموت ينتظر كل من تصدر عنه بادرة تمرد أو وهن، وعدت الأساليب العقابية الرهيبة أحد أسس القدرات القتالية العالية للجحافل الرومانية.
"هبوط الساحة الحمراء".. أسرار مغامرة جوية أطاحت بقيادات الدفاع الجوي السوفيتي
تظهر العديد من الصدف الغريبة في رحلة الألماني ماتياس روست، بطائرته الخفيفة "سيسنا 172 سكاي هوك" انطلاقا من فنلندا وانتهاء بالهبوط قرب الساحة الحمراء في موسكو في 28 مايو 1987.
اصطدام بـ"غواصة مجهولة" في أعماق المحيط
رصدت الغواصات السوفيتية على مدى عقود الكثير من الظواهر الغريبة في بحار ومحيطات العالم، ورويت وقائع عن لقاءات مع أجسام مجهولة في الجو وفي الماء، وذات مرة حدث اصطدام خطير معها.
تفاصيل مجهولة عن حادثة الفرقاطة الأمريكية "ستارك" ومصير الطيار العراقي المهاجم
أحاط الغموض لسنوات طويلة جوانب من حادثة قصف طائرة حربية عراقية فرقاطة أمريكية في الخليج في 17 مايو 1987، ما أدى إلى تدمير قسم منها ومقتل 37 بحارا وإصابة 21 آخرين.
جثة انتحاري وبقايا محرك بين حطام حاملة طائرات أمريكية!
تمكن طيار ياباني واحد من تنفيذ هجوم انتحاري فريد استهدف حاملة الطائرات الأمريكية " إنتربرايز"، صباح يوم 14 مايو 1945 بالقرب من جزر "ريوكيو" اليابانية.
ساعتان غيرتا مفاهيم الحرب!
بعد ثلاثة أيام من هجومهم على قطع الأسطول الأمريكي الراسية في ميناء بيرل هاربور، وجه اليابانيون ضربة قوية للأسطول البريطاني في بحر الصين الجنوبي، غيرت مفاهيم الحرب البحرية.
ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عربية!
أمر الأدميرال دي ليبورد بإغراق قطع الأسطول الفرنسي الراسية في ميناء تولون فجر 27 نوفمبر 1942، كي لا تقع في يد النازيين الألمان الذين وصلت قواتهم في تلك الساعة إلى الميناء.
التعليقات