قصة صعود وسقوط نجم أوكوبو توشيميتشي الذي يعد أحد مؤسسي اليابان في العصر الحديث، تقدم العديد من المفاتيح لفهم سر نهضة اليابان وتحولها من دولة اقطاعية إلى إحدى القوى الرائدة في العالم.
مع اثنين آخرين هما كيدو تاكايوشي وسايغو تاكاموري، وكانا من رفاق الطفولة، شكل أوكوبو توشيميتشي ما يعرف باسم "النبلاء الثلاثة". هؤلاء تزعموا حركة لاستعادة السلطة الإمبراطورية لسلالة "ميجي" في اليابان حاملين شعار "يعيش الإمبراطور ويسقط البرابرة"، وتمكنوا في عام 1868 من القضاء على حكم "شوغون توكوغاوا"،
الشوغن، والاسم الكامل "سين تاي شوغون"، ويترجم إلى "الحامي العسكري"، هم قادة عسكريون كانوا الحكام الفعليين لليابان منذ نهاية القرن الثاني عشر وحتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
الطريق أصبحت سالكة أمام الإصلاحي الطموح، أوكوبو توشيميتشي. لمع نجمه في الحكومة الجديدة وترقى سريعا من منصب مستشار مبتدئ "سانيو" إلى مستشار إمبراطوري "سانجي".
قام أوكوبو بتنفيذ العديد من الإصلاحات، وتم القضاء على الإمارات وتعزيز السلطة المركزية، وأصبح أحد أكثر الشخصيات احتراما في الحكومة الإمبراطورية.
حين شغل منصب وزير المالية لمدة شهرين في عام 1871، قام بإدخال إصلاحات على النظام الضريبي، وإلغاء امتيازات الساموراي بما في ذلك الحق في حمل السلاح، وبعد فترة وجيزة عُين في منصب نائب سفير بعثة الحكومة اليابانية، وزار الإمبراطورية الروسية وبروسيا والولايات المتحدة.
بعد زياراته الخارجية، بدأ في الدعوة إلى انتهاج مسار جديد في بلاده يرتكز على تطوير الصناعة وتعزيز القدرات القتالية، إلا أن نشاطاته تحولت إلى مشروع لإقامة دكتاتورية شخصية، حيث قام بالتخلص من جميع منافسيه في الحكومة، وعمل على السيطرة على الإمبراطور والتلاعب به وتحويله إلى رمز، وتركيز جميع السلطات في يديه.
من جهة أخرى، أثارت إصلاحاته وخاصة تجريد الساموراي من امتيازاتهم غضبا واسعا امتد إلى أحد أقرب حلفائه السابقين سايغو تاكاموري، الذي قاد انتفاضة عرفت باسم "تمرد ساتسوما" في عام 1877 ضد الحكومة، قام أوكوبو توشيميتشي بقمعه بعنف. قُتل الحليف السابق وتزايدت مشاعر العداء تجاه المُصلح الذي وصفه خصومه بالمستبد، واتهمه حلفاؤه السابقين بالخيانة.
مع ذلك، حقق أوكوبو العديد من الإنجازات الهامة. نجح بشكل مذهل في تطوير الصناعة، وبفضل قيادته المنفردة، أدخل إصلاحات اقتصادية في وقت قصير، وبنى المصانع العسكرية ومصانع النسيج في مناطق زراعية تقليدية، كما قمع الانتفاضات ضد الحكومة وتغلب على أكثر من أزمة سياسية.
لم يتسع الوقت طويلا لهذا السياسي البارز بعد القضاء على "تمرد ساتسوما"، في 14 مايو 1878، فيما كان أوكوبو توشيميتشي في طريقه إلى مكتبه في طوكيو في 14 مايو 1878، هجم عليه فجأة ستة رجال من الساموراي من منطقة "ساتسوما" وعاجلوه بطعنات من سيوفهم، فقتل على الفور.
منفذ عملية الاغتيال الرئيس يدعى " إيتشيجي موروتا"، وهو أحد أتباع سايغو تاكاموري، وقام بفعلته انتقاما لمقتله في العام السابق. علاوة على ذلك اعتبرت طبقة "الساموراي" أوكوبو خائنا لأنه تخلي عن قيمهم وتقرب من الغرب.
على الرغم من اغتياله، إلا أن سياسات أوكوبو في تحديث البلد استمرت، ما جعل اليابان تتحول إلى قوة عالمية بحلول القرن العشرين. هذه الاحداث تكشف بجلاء جذور نهضة هذا البلد إضافة إلى طبيعة الصراع داخله بين التقاليد والحداثة في ذلك الوقت.
المصدر: RT