قصة العالم النووي كلاوس فوكس.. "لا تتحدثوا معي عن المال مرة أخرى"!
أسدى العالم النووي الألماني كلاوس فوكس الكثير من الخدمات الجليلة للاتحاد السوفيتي، وزوده بمعلومات سرية قيمة وفرت عليه الأموال والوقت لتصنيع قنبلته النووية الأولى في عام 1949.
تطوع هذا العالم الفيزيائي الألماني وعدد من نظرائه في الغرب للتعاون مع الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، من منطلق إيديولوجي وأخلاقي، ونقلوا إليه الكثير من الأسرار، ما ساعد على تحقيق التوازن النووي وأنهى احتكار الولايات المتحدة لهذا السلاح الفتاك.
كلاوس فوكس كان قد انضم إلى الحزب الشيوعي الألماني في عام 1932، وبعد أن وصل النازيون إلى السلطة في يناير 1933، هرب إلى فرنسا ومن هناك انتقل إلى بريطانيا، وعمل كطالب دراسات عليا في مختبر للفيزياء بجامعة بريستول. في هذه الجامعة حصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء عام 1936، وعمل منذ العام التالي في أحد مختبرات جامعة إدنبرة.
السلطات البريطانية اعتقلته في أبريل 1940 عقب اندلاع الحرب العالمية الثانية، باعتباره مواطنا من دولة معادية، وزجت به في معسكر اعتقال بجزيرة مان ثم رحل إلى معتقل آخر في كندا. بعد التماسات من قبل عدد من العلماء، أطلق سراحه في ديسمبر 1940 وعاد إلى بريطانيا.
العالم النووي كلاوس فوكس
شارك في جامعة برمنغهام مع مجموعة من العلماء لتحديد الكتلة الحرجة لليورانيوم وحل مشكلة فصل النظائر في إطار المشروع النووي البريطاني، وأسهم في حل العديد من المعادلات الرياضية الهامة لتحسين معايير قنبلة اليورانيوم.
حصل فوكس على الجنسية البريطانية عام 1942، وكُلف بمراقبة المشروع الذري الألماني، وتمكن من الحصول على مواد سرية من جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني إم آي 6.
بعد الغزو النازي للاتحاد السوفيتي، غضب هذا العالم النووي من تقاعس الحكومة البريطانية وعدم مساعدتها الاتحاد السوفيتي بالشكل المناسب.
بادر إلى العمل بنفسه، وزار في نوفمبر 1941 السفارة السوفيتية في لندن، وعرض تزويد السوفييت بالمعلومات المتوفرة لديه عن المشروع النووي البريطاني. قُبل العرض، وأصبح فوكس يتواصل مع الاتحاد السوفيتي من خلال سيدة تدعى أورسولا كوتشينسكا، واسمها الأصلي روث فيرنر، وهي شيوعية ألمانية متعاونة مع الاستخبارات السوفيتية.
في لقاءات مع هذه المرأة كل 3 إلى 4 أشهر، نقل العالم النووي البريطاني الألماني الأصل آخر التطورات في مجال الأسلحة النووية. اللافت أن العالم النووي كلاوس فوكس فعل ذلك لدوافع أيديولوجية صرفة، ورفض بشكل قاطع تلقي أي أموال من الاتحاد السوفيتي، بل وأصر على عدم الحديث في هذا الموضوع.
التطور اللاحق تمثل في انتقال فوكس وعدد من العلماء البريطانيين الآخرين إلى الولايات المتحدة في ديسمبر 1943، وانضمامهم إلى مشروع "مانهاتن" الأمريكي النووي.
عالم فيزياء ألماني يدعى رودولف بيرلز، عمل هو الآخر في المشروع النووي البريطاني قال: "أعلم أن فوكس تصرف وفقا لمعتقداته. لم يفعل ذلك من أجل المال أو تحت الإكراه. لقد اعتقد فقط أن الشيوعيين يجب أن يحصلوا على جميع المعلومات".
كما وصف فوكس، عالم فيزياء أمريكي من أصل نمساوي اسمه فيكتور ويسكوبف قائلا إنه "كان شيوعيا قويا. كان يعتقد أن القنبلة النووية لا يجب أن تنتمي فقط إلى العالم الغربي... من الواضح أن التوازن يجب أن يكون موجودا".
العالم النووي كلاوس فوكس عاد مع العلماء الآخرين إلى بريطانيا في يوليو 1946، وتولى هناك رئاسة قسم الفيزياء النظرية في مركز هارويل للأبحاث النووية. في هذا المركز أسهم في حل العديد من المسائل العلمية المتعلقة بالصناعة النووية.
استؤنف التواصل بين فوكس والاستخبارات السوفيتية الخارجية، وحصل الاتحاد السوفيتي على معلومات سرية عن إنتاج البلوتونيوم في الولايات المتحدة وحول مفاعلات مركز ويندسكيل النووي البريطاني، والكثير من ذلك. المعلومة الأكثر أهمية التي حصلت عليها موسكو من فوكس تتمثل في رسم تخطيطي لقنبلة هيدروجينية.
جازف كلاوس فوكس بحياته وبمستقبله من أجل أفكاره. أجهزة الأمن البريطانية ألقت القبض عليه في 3 فبراير 1950 واتهمته بالتجسس على البرنامجين النوويين البريطاني والأمريكي لصالح الاتحاد السوفيتي.
ينفي فلاديمير باركوفسكي، أحد كبار ضباط الاستخبارات السوفيتية وكان يعمل في بريطانيا، بشدة ما يقال عن أن فوكس اكتشف من خلال عملية "فينونا" الخاصة بفك شفرة الاتصالات السوفيتية التي تواصلت بين عامي 1943 – 1980، مؤكدا أن العالم النووي اعترف بنفسه مع عدم وجود أدلة ضده.
حُكم على كلاوس فوكس في بريطانيا في 1 مارس 1950 بالسجن 14 عاما. هذه العقوبة الخفيفة كانت نتيجة محاكمته بتهمة نقل أسرار نووية إلى دولة حليفة في الحرب العالمية الثانية. علاوة على ذلك، رفضت بريطانيا تسليم فوكس إلى الولايات المتحدة مما أنقذه من الموت على الكرسي الكهربائي. إضافة إلى أن الاتحاد السوفيتي نفى بشكل قاطع أن يكون هذا العالم النووي عميلا له.
لم يكمل مدة عقوبته هذا العالم النووي الذي ظل وفيا لأفكاره حتى النهاية، وأطلق سراحه في 24 يونيو 1959 مع تجريده من الجنسية البريطانية. عاد إلى ألمانيا الشرقية في نفس اليوم، وعمل هناك في معهد أبحاث نووية وفي التدريس بجامعة دريسدن التقنية إلى أن توفي في 28 يناير 1988، ودفن في المقبرة الاشتراكية ببرلين.
المصدر: RT
المصدر: RT
إقرأ المزيد
خطاب تشرشل الشهير ورد ستالين!
ألقى ونستون تشرشل في 5 مارس 1946 في كلية وستمنستر في مدينة فولتون بولاية ميزوري الأمريكية، خطابا شهيرا دخل التاريخ باعتباره بداية الحرب الباردة.
جندوا الثعابين والعقارب وجعلوا الأرض تطلق النار على الغزاة!
حوّل الفيتناميون حياة الأمريكيين إلى جحيم في حرب طويلة. فشلوا بأحدث الأسلحة وأكثر الذخائر تدميرا، وانتصر الفيتناميون بقدرتهم على الحركة وتفننهم في تصيد أعدائهم.
جزار في خدمة الولايات المتحدة!
كان كلاوس باربي يحلم بأن يصبح قسيسا، إلا أن ظهور الزعيم النازي أدولف هتلر، قلب حياته رأسا على عقب، وحوله افتتانه بشخصيته وأفكاره حين كبر إلى جلاد، عُرف باسم "جزار ليون".
حرب الغواصات.. كانوا ذئابا في البحر وسكارى في البر!
انتبه الألمان إلى أهمية سلاح الغواصات بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، واعتمدوا عليه في استراتيجيتهم البحرية. أدركوا أنهم بالغواصات يمكنهم خنق بريطانيا بقطع الإمدادات عنها.
قنبلة نووية في متناول اليد!
أمر الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بتعزيز ترسانة بلاده نووية هذا العام، فيما ذكر البيت الأبيض أن للرئيس دونالد ترامب خطط لنزعها بالكامل، فماذا عن برنامج كوريا الجنوبية؟
سر "طبيب الموت" ولغز "عاصمة التوائم"!
يحيط بمدينة كانديدو غودوي الواقعة شمال البرازيل غموض من نوع خاص. في هذه المدينة تصل نسبة ولادة التوائم الى 10 بالمئة في حين أنها على المستوى العالمي لا تتعدى 1 بالمئة.
القبطان "لا أحد" و" نوتيلوس" وحقيقة التخاطر عن بعد!
ما الذي يمكن أن يجمع بين الفن والأدب والسلاح؟. قد يعتقد البعض أن الاثنين الأولين يختلفان عن الثالث، إلا أن الغواصة "نوتيلوس" جسدت مثل هذا الاجتماع لمجالات مختلفة ومتباعدة.
خطأ تقني كاد يطلق إشارة فناء البشرية
كان التحذير من هجوم سوفيتي صاروخي هائل الحجم فجر 9 نوفمبر 1979 مرعبا إلى درجة أن مستشار الأمن القومي الأمريكي زبيغنيو بريجنسكي كتب قائلا: "أردت أن أتأكد من أننا لن نموت وحدنا"!
من هذا القمقم خرج مارد "الجحيم النووي"!
بدأت الولايات المتحدة في 6 نوفمبر 1944، عمليات إنتاج البلوتونيوم المستخدم في صنع القنابل النووية في موقع مجمع هانفورد الواقع على نهر كولومبيا بوسط جنوب ولاية واشنطن.
التعليقات