علم جورج كادودال، وهو زعيم سابق لمجموعة متمردة مناصرة للنظام الملكي من الصحف الفرنسية أن قنصل فرنسا الأول، نابليون بونابرت سيحضر إلى مسرح باريس للفنون في تلك الليلة، فقام بتجنيد ثلاثة من قدامى المحاربين لتنفيذ عملية تستهدف حياته.
هؤلاء الثلاثة هم بيير روبينو دي سان ريجان، وجوزيف بيكو دي ليمويلان، وفرانسوا جان كاربوني. المتآمرون عقدوا العزم على اغتيال بونابرت وبالتالي القضاء على الرجل الذي اعتبر عقبة أمام عودة سلالة بوربون إلى العرش في فرنسا.
العربة الجهنمية:
من بين حوالي 30 محاولة جرت لاغتيال نابليون بونابرت في فترة حكمه في فرنسا، كانت هذه الأكثر دموية وخطورة.
أحد أعضاء المجموعة التي كلفت بتنفيذ عملية الاغتيال ويدعى كاربوني، اشترى في 17 ديسمبر عربة صغيرة يجرها حصان من تاجر حبوب في باريس. مع حلول مساء يوم 24 ديسمبر غادر اثنان من هذه المجموعة وهما ليمولان وكاربوني مبنى خاليا على مشارف باريس بالعربة وتوجها إلى قوس النصر بوسط باريس.
كانا وضعا برميل نبيذ كبير في العربة احتوى على حمولة من البارود والحجارة الحادة تزن ما يزيد عن 90 كيلو غراما. هذه القنبلة التي وضعت في البرميل وأخفيت تحت أكداس من التبن والقش وكيس من الشوفان، كان يتوجب تفجيرها بإشعال فتيل موصول بها.
نابليون كان معتادا على الذهاب إلى المسرح من قصر التوليري بنفس الطريق، ولذلك نصب المتآمرون له فخا في مكان مناسب. أوقف أحدهم وهو روبينو الحصان والعربة المليئة بالبارود في مكان بنهاية شارع سان نيكيز، تكدست حوله الحجارة والحطام، للإيهام بأن العربة تعطلت.
عربتان تجرهما الخيول خرجتا من القصر. الأول تحمل بونابرت مع ثلاثة جنرالات، والثانية أقلت زوجته جوزفين وابنتها هورتنس، وشقيقة نابليون كارولين بونابرت والجنرال جان راب.
انطلقت عربة قنصل فرنسا الأول نابليون بونابرت بسرعة شاقة طريقها نحو المسرح، وما أن تجاوزت عربة المتآمرين المتوقفة حتى أشعل الفتيل ثم انفجر برميل البارود. حدث ذلك فيما كانت عربة بونابرت قد ابتعدت، ولم تصب إلا بأضرار في نوافذها.
عربة جوزفين تحطمت نوافذها وجرحت شظية من الزجاج يد هورتنس، ابنة زوجة نابليون، فيما امتلأت المسافة الفاصلة بين العربتين بالدماء والأشلاء، وقتل جراء الانفجار 22 شخصا من المارة وأصيب حوالي 60 آخرين بجروح خطيرة، وتعرضت لأضرار متفاوتة 46 منزلا في الشارع. نابليون بونابرت لم يصب بأي أذى فيما قتلت الفتاة ماريان بيزول والحصان على الفور.
المفارقة أن إحدى الرايات تؤكد أن بونابرت نجا من الفخ المتفجر، بفضل قائد عربته. هذا السائس كان في حالة سكر شديد في ذلك المساء، وقاد خيول العربة بطريقة أسرع من المعتاد ما ترتب عنه ابتعادها بسرعة وإنقاذ حياة نابليون من موت محقق.
على الرغم مما جرى، أكمل بونابرت طريقه إلى المسرح، وأمر بمعاقبة "اليعاقبة" وهي مجموعة إرهابية كانت تنشط في زمن الثورة الفرنسية ملقيا بمسؤولية محاولة الاغتيال عليها.
نابليون قال لرئيس شرطته جوزيف فوش: "ردا على مثل هذه الجريمة الوحشية، يجب أن ننتقم مثل البرق. يجب سفك الدماء، وعلينا أن نطلق النار على العديد من الجناة".
أوامر بونابرت نفذت على الفور وتم اعتقال 130 شخصا من اليعاقبة وجرى نفيهم مكبلين بالأغلال إلى غيانا وسيشيل. شرطة نابليون تعقبت في نفس الوقت الجناة الحقيقيين من أنصار الملكية، وتعرفت عليهم من خلال التاجر الذي باعهم العربة والحصان. جرى أولا القبض على كاربوني الذي دل على شركائه.
قبضت الشرطة على روبينو، وأعدم بالمقصلة مع كاربوني في 20 أبريل 1801، فيما هرب الثالث وهو ليمولان إلى الولايات المتحدة.
مدبر محاولة الاغتيال جورج كادودال فر إلى بريطانيا عدو بونابرت اللدود. هذا الرجل العنيد عاد لاحقا ليكمل ما بدأه ونظم محاولة ثانية لاغتيال نابليون كان مصيرها الفشل أيضا. ألقي القبض عليه، وجر بتهمة التآمر لاغتيال بونابرت إلى المقصلة في عام 1804، حيث نفذ فيه حكم الإعدام، بعد أن رفض طلب الرأفة للإبقاء على حياته.
هكذا كُتب لنابليون أن يعيش 21 عاما آخر، وأن يصول ويجول طويلا قبل أن يهزم ويعتقل في جزيرة سانت هيلينا حيث توفي في 5 مايو 1821 عن عمر لم يتجاوز 51 عاما.
المصدر: RT