شهدت أكبر انتحار جماعي في التاريخ.. هل تتحول جونز تاون إلى مزار سياحي؟
تعد مذبحة "جونز تاون" عام 1978 أكبر حادث قتل جماعي لمواطنين أمريكيين قبل 11 سبتمبر، وأكبر حادث انتحار جماعي في التاريخ. اليوم يدور جدل ساخن حول تحويل تلك المدينة إلى مزار سياحي.
تقع غويانا على الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية، وهي ثقافيا جزء من منطقة بحر الكاريبي الناطقة باللغة الإنجليزية. وكانت البلاد في الماضي مستعمرة هولندية وبريطانية لأكثر من 200 عام. وقد استقلت عن المملكة المتحدة في 26 مايو 1966، وأصبحت جمهورية في 23 فبراير 1970.
وكانت جريمة القتل الجماعي (الانتحار الجماعي) لطائفة "معبد الشعب لتعاليم المسيح" بقيادة جيم جونز، والتي وقعت في 18 نوفمبر من العام 1978، في مدينة جونز تاون بغويانا مرادفة لجمهورية غويانا لعقود من الزمان، حتى اكتشف قبل ما يقرب من عقد من الزمان كميات هائلة من النفط والغاز قبالة سواحل البلاد، ما جعلها واحدة من أكبر منتجي النفط البحري في العالم.
اليوم يتم بناء طرق ومدارس وفنادق جديدة في جميع أنحاء العاصمة جورج تاون وخارجها، وأصبح البلد الذي نادرا ما كان يرى أن السياحة يمكن أن تكون أحد مصادر دخله القومي يأمل في جذب السياح إليه.
وأصبحت أحد عوامل الجذب الواضحة، التي يطرحها البعض، هي جونز تاون.
كان القس جيم جونز مؤسس وزعيم "معبد الشعب" ذي الميول المسيحية والاشتراكية قد اختار غويانا ليؤسس بها مدينته "الفاضلة" في خريف عام 1973، وبحلول صيف عام 1974 تم شراء الأراضي والإمدادات في غويانا، وأدار جونز مشروعا وأشرف على تركيب محطة الطاقة، وتطهير الحقول للزراعة وبناء المساكن للتحضير للمستوطنين الأوائل. وفي ديسمبر 1974 وصلت المجموعة الأولى إلى غويانا لبدء تشغيل القرية التي عرفت فيما بعد باسم "جونز تاون"، والتي وقع فيها الحادث المأساوي.
يقول أستيل بول، مساعد الطيار للطائرة ذات المحركين التي حلق على متنها النائب الأمريكي ليو جيه رايان من كاليفورنيا ومعه طاقم إخباري أمريكي، نوفمبر 1978، وقد شهد مسلحين يطلقون النار على رايان وأربعة آخرين حتى الموت أثناء محاولتهم ركوب الطائرة في ذلك اليوم: "إن أحد عوامل الجذب الواضحة في غويانا هي جونز تاون".
في ذلك اليوم تجرع 900 شخص سم السيانيد بطعم العنب، وقد أعطوا السم لأطفالهم السم قبل أن يتجرعوه (أكثر من 200 طفل)، وأطلق جيم جونز الرصاص على نفسه.
اليوم، وبعد نصف قرن من المأساة، تريد السلطات في جورج تاون إعادة النظر في هذا التاريخ المظلم، الذي طالما أثر سلبا على سمعة البلاد.
تريد شركة سياحية مدعومة من الحكومة فتح البلدة السابقة، التي أصبحت الآن محاطة بالنباتات المورقة للزوار، وهو الاقتراح الذي يعيد فتح الجراح القديمة، حيث يقول منتقده إنه من شأنه أن يقلل من احترام الضحايا، ويثير شجون الماضي الأليم.
تقول جوردان فيلتشيز، التي نشأت في كاليفورنيا وانتقلت إلى بلدة "معبد الشعب" جونز تاون في سن الرابعة عشرة، لوكالة "أسوشيتد برس"، إنها تشعر بمشاعر مختلطة بشأن مثل هذه الخطط السياحية.
وكانت فيلتشيز في ذلك اليوم بالعاصمة جورج تاون في اليوم الذي أمر فيه جيم جونز أتباعه بشرب السيانيد بنكهة العنب، الذي تم تقديمه للأطفال أولا. كانت شقيقتاها وابنا أخيها من بين الضحايا. وتتابع فليتشيز، 67 عاما: "لقد فاتني الموت بيوم واحد"، وتقول إن لغويانا الحق في الاستفادة من أي خطط تتعلق بجونز تاون.
من ناحية أخرى، تقول فليتشيز إنها تشعر أن التلاعب بالأشخاص حتى الانتحار هو أمر يجب أن يعامل باحترام، حيث تأمل أن يوفر منظم الرحلات السياق، ويشرح لماذا ذهب الكثير من الناس إلى غويانا، آملين في أن يجدوا حياة أفضل.
وستقوم الجولة السياحية المفترضة بنقل السياح إلى قرية بورت كايتوما النائية الواقعة في الغابات الخصبة شمال غويانا، ثم ينتقلون بالقارب أو بالمروحية أو الطائرة. وبمجرد الوصول إلى هناك، ستقطع مسافة ستة أميال أخرى عبر مسار ترابي وعر ومتضخم بالأعشاب إلى البلدية المهجورة والمستوطنة الزراعية السابقة.
ويتساءل أستاذ القانون في جامعة غويانا نيفيل بيسيمبر عن الجولة السياحية المقترحة "المرعبة والغريبة": "أي جزء من طبيعة وثقافة غويانا يمثله تلك القرية التي كانت مسرحا للانتحار الجماعي وغيره من الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان ضد مجموعة خاضعة من المواطنين الأمريكيين، والتي لم يكن لها علاقة بغويانا؟".
وبرغم الانتقادات المستمرة، تحظى الجولة السياحية بدعم قوي من هيئة السياحة الحكومية وجمعية السياحة والضيافة في غويانا.
تقول وزيرة السياحة أونيدج والروند لوكالة "أسوشيتد برس" إن الحكومة تدعم الجهود المبذولة في جونز تاون، لكنها في الوقت نفسه تدرك "بعض مستويات الرفض" من قبل قطاعات معينة من المجتمع.
وقالت الحكومة إنها ساعدت بالفعل في تطهير المنطقة "لضمان تسويق منتج أفضل"، مضيفة أن الجولة قد تحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء.
مادورو يقرّ خطة البرلمان لقانون ضم أراض من غويانا
وتابعت الوزيرة: "سوف أدعم هذه الفكرة، وهي أمر ممكن التحقق. بعد كل شيء، لقد رأينا ما فعلته رواندا بمأساتها الرهيبة كمثال".
وقالت مديرة شركة Wonderlust Adventures، شركة الرحلات الخاصة التي تخطط لأخذ الزوار إلى جونز تاون، إنها شعرت بالتشجيع من دعم السلطات. وتابعت: "نعتقد أن الوقت قد حان للقيام بذلك. إن هذا يحدث في جميع أنحاء العالم. ولدينا أمثلة متعددة على السياحة المظلمة والتي ترضي بعض الأذواق في كل أنحاء العالم، بما في ذلك معسكرات أوسشفيتز ومتحف الهولوكوست".
وكانت الحكومات المتعاقبة تتجنب زيارة جونز تاون، لما يروا أن صورة البلاد تضررت بشدة بسبب القتل الجماعي والانتحار، برغم أن القتلى من السكان الأصليين كان قليلا، وكانت الغالبية العظمى من القتلى ضحايا "معبد الشعب" من المواطنين الأمريكيين الذين سافروا إلى غويانا وراء جيم جونز، وتحمل العديد منهم الضرب والعمل القسري والسجن والتدرب على الانتحار الجماعي.
اليوم، كل ما تبقى من المدينة أجزاء من مطحنة الكسافا وقطع من الجناح الرئيسي وجرار صدئ كان يسحب ذات يوم مقطورة مسطحة لنقل أعضاء المعبد إلى مطار بورت كايتوما.
ويقول فيلدينغ ماكجي المدير المشارك لمعهد جونز تاون، وهي مجموعة غير ربحية: "إنها منطقة وعرة للغاية، ولا أرى كيف يمكن أن يكون هذا المشروع مجديا اقتصاديا بسبب المبالغ الضخمة من المال التي سيتطلبها تحويل القرية إلى مكان قابل للزيارة".
وحذر ماكجي من الاعتماد على الشهود المفترضين الذين سيكونون جزءا من الجولة، وقال إن الذكريات والقصص التي تسربت عبر الأجيال قد لا تكون دقيقة. ووصف تلك الجولات السياحية بأنها "اهتمام شهواني بالمأساة"، حيث أشار إلى الشعبية التي تحظى بها السياحة المظلمة، حيث يقول السائحون إنهم "زاروا مكانا توفي فيه أكثر من 900 شخص في نفس اليوم".
لقد تم تصوير عدد كبير من الأفلام التسجيلية عن هذا الحادث المروع، أكبر حادث انتحار جماعي في التاريخ، إلا أن أكثر ما يصيب بالدهشة والحيرة والأسى والشعور بالمأساة الحقيقية هو ذلك التسجيل الذي بقي لجيم جونز، في 18 نوفمبر 1978، بينما يوجه أعضاء "معبد الشعب" لكي يعطوا أبناءهم سم السيانيد بطعم العنب: "الأمهات.. الأمهات.. الأمهات.. من فضلكم أسرعوا قليلا، لدينا أشياء كثيرة لننجزها".
المصدر: بوليتيكو
التعليقات