وينطلق مؤلفو التقرير من فكرة أن العالم قد تغير بالفعل ويستمر في التغير تحت تأثير عمليات طبيعية عالمية الطابع، تتمثل الرئيسية بينها في تراكم الموارد الكافية لدى الدول للدفاع عن مصالحها الوطنية دون الحاجة إلى الاعتماد على قوى خارجية. ولا شك في أن التحول الجذري في الإمكانات والتأثير، يتجاوز من حيث الحجم والعمق ما حدث في نهاية القرن العشرين.
ويقوم الأساس البنيوي للنظام العالمي الناشئ المتعدد المراكز على أساس رغبة الغالبية العظمى من البلدان في الاستقلال القائم على احترام مصالح بعضها البعض. وبهذا المعنى يمكننا أن نقول بثقة تامة إنه يتم تشييد النظام الجديد من الأسفل إلى الأعلى من خلال التنظيم الذاتي.
وفي هذا بالذات يتلخص اختلافه عن النظام السابق، الذي تم إنشاؤه على أساس التسلسل الهرمي بعد الحرب العالمية الثانية، أي القائم من الأعلى إلى الأسفل.
ويعتقد مؤلفو التقرير أن نقطة البداية لبناء تفاعل متجدد، هي تعاون الدول داخل مناطق منفردة، حيث توجد ضرورة لعملها المشترك لتحقيق المهمات العملية الملحة. وخلال كل ذلك، تتمثل المهمة المشتركة في الحفاظ على العدالة فيما يتعلق بالمصالح والقيم الأساسية لجميع دول المنطقة.
لماذا أوراسيا؟
هذا الجزء من العالم لا تربط بين مناطقه حدود جغرافية بشكل وثيق فحسب، بل يعتبر الأكثر كثافة سكانية والأقدم حضاريا في العالم. لقد حددت طبيعة العلاقات في القارة منذ فترة طويلة ولا تزال تحدد مبادئ التفاعل بين الدول في أجزاء أخرى من العالم. وبهذا المعنى، تستطيع أوراسيا في المستقبل أن تصبح الأساس لإعادة تنظيم العالم بأسره.
ويتلخص الهدف الرئيس لمؤلفي التقرير في صياغة وسرد مبادئ البنية التي يمكن عليها تشييد هيكل جديد للعلاقات الأوراسية، والعالمية إلى حد كبير، بين الدول.
ويعتقد مؤلفو التقرير أن الأساس الأيديولوجي لهذه المبادئ، أصبح موجودا وتم صياغته، وبالتالي يمكن استخدامه بسهولة. والمقصود هنا قرارات مؤتمري باندونغ (1955) وأديس أبابا (1963)، حيث تقرر إنشاء حركة عدم الانحياز ومنظمة الوحدة الإفريقية، على التوالي.
وفي تلخيص تجربة الدول الآسيوية والإفريقية، حدد المؤلفون المبادئ التالية، التي تم اختبارها من خلال الممارسة السياسية للعالم غير الغربي وهي:
- الاعتراف بالهدف المشترك
- تأكيد أن الفروق الفردية لا يجوز أن تعيق التحرك نحو الهدف المشترك
- الإدراك بأن الفروق الفردية لن تختفي، فلكل بلد خصوصيتها وطريقها الأصيل، تفترض الثقة التسامح مع الاختلافات وتقديم التنازلات حتى لا تؤدي الاختلافات إلى الصراع
- مرونة الآليات المؤسساتية والإجرائية، مما يتيح للتعايش والتشابك المحتمل بين الهياكل المختلفة ذات الأشكال المختلفة للعضوية والالتزامات
- التعاضد الداخلي بشكل تدريجي، ودعم عملية نضوج الظروف اللازمة لذلك
- تعزيز التضامن بين دول الأغلبية العالمية على أساس الثقة
- الالتزام بإيجاد حلول محلية للمشاكل الإقليمية ومعالجة المشاكل العالمية من خلال مجموعة من الأساليب الإقليمية، حتى لا يصبح الحق في التنمية لكل دولة على حدة رهينة للقيود العالمية الجديدة.
ويخلص التقرير إلى أن هذا المسار أطول وأكثر تعقيدا من "انضباط التحالفات" المعتاد، ويتطلب جهودا متعددة لتنسيق المصالح على مستوى القاسم المشترك الأدنى، وبالتالي يستغرق وقتا أطول. ولكن هذا يجعله أكثر استقرارا، بل وفي ظل عالم يزداد تنوعا، قد يكون هذا الخيار هو الوحيد المتاح لنا.
المصدر: RT