تفاصيل اتفاق اسرائيلي بريطاني فرنسي سري ضد مصر
بعد تأميم قناة السويس اتفق مندوبون من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في 24 أكتوبر 1956 إثر محادثات سرية استمرت 48 ساعة على "مسرحية" هزلية لغزو مصر وإسقاط نظام جمال عد الناصر الوطني.
بدأت تلك "المؤامرة" بإقلاع طائرة فرنسية من قاعدة جوية إسرائيلية في 22 أكتوبر 1956 وهبوطها في مطار عسكري بالقرب من العاصمة باريس.
من تلك الطائرة خرج رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيلي ديفيد بن غوريون، والمدير العام لوزارة الدفاع شمعون بيريز، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي موشيه ديان، ورئيس مكتب ديان مردخاي بار أون. كانت مهمة هذه الشخصيات الإسرائيلية الرفيعة، إجراء مفاوضات سرية مع البريطانيين والفرنسيين حول عمل مشترك ضد مصر بقيادة جمال عبد الناصر.
في ضاحية "سفر" الباريسية جرت المفاوضات السرية بين الوفد الإسرائيلي بقيادة رئيس الوزراء بن غوريون ومندوبين فرنسيين هم وزير الدفاع موريس بورجيه مونوري، ووزير الخارجية كريستيان بينولت ورئيس الأركان العامة موريس شال، ومع وفد بريطاني يتكون من وزير الخارجية سلوين لويد ومساعده باتريك دين.
المفاوضات السرية بين إسرائيلي وبريطانيا وفرنسا انتهت بالاتفاق على خطة تقوم بموجبها إسرائيل بالهجوم على مصر، وبعدها تقوم القوات الفرنسية والبريطانية بغزو واحتلال منطقة قناة السويس التي كان عبد الناصر قد أعاد تأميمها في 26 يوليو من نفس العام. بريطانيا وفرنسا وفقا لهذه المسرحية كانتا ستبرران تدخلهما العسكري بضرورة "حماية القناة والحاجة إلى فصل الأطراف المتحاربة".
بحسب بروتوكول سفر السري كان من المفترض أن تضم إسرائيل شبه جزيرة سيناء بالكامل أو على الأقل الثلث الشرقي على طول خط العريش-شرم الشيخ.
في ذات الوقت، تعهدت إسرائيل بعدم مهاجمة الأردن، وتعهدت بريطانيا بأنها لن تقدم المساعدة للأردن إذا ما قامت إسرائيل بمهاجمته!
هذا الاتفاق السري "التأمري" أصر الوفد الإسرائيلي على وضع نسخ مكتوبة منه وتوقيعه لضمان تنفيذه من قبل الطرفين الآخرين بريطانيا وفرنسا.
خلال تلك المفاوضات السرية، اقترح بن غوريون في البداية خطة لإعادة تقسيم الدوائر الرئيسة للحدود في الشرق الأوسط. الخطة الإسرائيلية توخت حل دولة الأردن، وضم الجزء الشرقي من نهر الأردن من قبل العراق، فيما يتم ضم القسم الغربي من نهر الأردن إلى إسرائيل. بحسب هذه الخطة الإسرائيلية، كان من المقرر أن يذهب القسم الجنوبي من لبنان حتى نهر الليطاني إلى إسرائيل، وكانت الخطة تنص على تخلي لبنان عن بعض أراضيه ذات الغالبية المسلمة والتحول إلى جمهورية بأغلبية مسيحية متحالفة مع إسرائيل، إلا أن الفرنسيين والبريطانيين لم يوافقوا على هذه الخطة، وتم إقناع بن غوريون على التركيز على مصر.
في النهاية تم التوقيع على بروتوكول سيفر السري. مردخاي بار أون مدير مكتب رئيس الأركان الإسرائيلي موشيه ديان، ذكر لاحقا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون "بالكاد كان بإمكانه كتم حماسته، فقد أخذ البروتوكول بين يديه كما لو كان يحمل كنزا هشا، وقام بطيه وإخفائه في جيب سترة".
الخبير بشؤون الشرق الأوسط أندريه أوستالسكي وصف هذا الاتفاق السري الإسرائيلي الفرنسي البريطاني ضد مصر بأنه "وثيقة هزلية بشكل لا يصدق. من حسن الحظ أن البشرية ابتعدت عن مثل هذا الأمر منذ 60 عاما. اتفقت القوى الثلاث بهدوء وإدراك كامل لما كانت تفعله، على غطاء زائف تماما للغزو".
بريطانيا وفرنسا بعد توقيع هذه الاتفاقية السرية بدأتا في تركيز قواتهما في المناطق التي كان من الممكن ضرب السواحل والمطارات المصرية منها. جرى تسليم كميات كبيرة من الأسلحة على وجه السرعة إلى إسرائيل. بدأ الجيش الفرنسي بالهبوط في المطارات الإسرائيلية، واتخذت السفن الفرنسية مواقع قبالة سواحل إسرائيل، فيما أعلنت إسرائيل عن تعبئة واسعة النطاق لقوات الاحتياط، بذريعة "احتمال دخول القوات العراقية إلى الأردن".
في إطار عملية قادش، هاجمت القوات الإسرائيلية في 29 أكتوبر 1956 مواقع الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء. عملية غزو سيناء أطلق عليها اسم مدينة قادش التي ورد ذكرها عدة مرات في التوراة. بررت إسرائيل غزوها لمصر بضرورة وقف هجمات الفدائيين انطلاقا من غزة.
بعد اتفاقهما سرا مع إسرائيل، استخدمت كل من بريطانيا وفرنسا حق النقض ضد قرار اقترحته الولايات المتحدة في مجلس الأمن يدعو إسرائيل إلى وقف عدوانها على مصر. دفعت باريس ولندن في نفس الوقت بمطالبهما الخاصة، ودعتا إسرائيل ومصر إلى سحب قواتهما إلى ما بعد 30 كيلومترا من قناة السويس. رفضت مصر الامتثال لهذا الأمر وشنت الدولتان عمليات عسكرية ضدها.
بن غوريون في كلمة له أمام الكنيست في 7 نوفمبر 1956، أعلن أن "حملة سيناء هي الأعظم والأكثر مجدا في تاريخ الشعب الإسرائيلي"، وأن الجيش الإسرائيلي غزا سيناء التي كانت في السابق جزءا من مملكة سليمان التي تمتد من جزيرة تيران في البحر الأحمر إلى تلال لبنان، مضيفا أن "جزيرة تيران أصبحت مرة أخرى جزءا من مملكة إسرائيل الثالثة".
موقف الاتحاد السوفيتي الصارم أفسد المخطط السري. هدد الزعيم السوفيتي وقتها نيكيتا خروتشوف بريطانيا العظمى وفرنسا وإسرائيل بأكثر الإجراءات صرامة بما في ذلك استخدام الضربات الصاروخية على أراضي هذه الدول. مثل هذا التطور كان سيؤدي حتما إلى حرب نووية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت ضغطت على حلفائها لوقف العدوان في المنطقة. كانت واشنطن ترغب أيضا في تلك الفترة في الحد من نفوذ بريطانيا ودفعها إلى الصفوف الخلفية على المسرح الدولي.
نجح الموقف السوفيتي الصارم والضغط الأمريكي في دفع بريطانيا وفرنسا إلى سحب قواتهما من مصر في ديسمبر 1956، وانتهت تلك الأزمة الخطيرة في موقف استثنائي توافقت فيه القوتين العظميين.
المصدر: RT
إقرأ المزيد
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا إسرائيليا في "ليلة الطائرات الشراعية"
روت وسائل إعلام عبرية تفاصيل مثيرة عن المعركة الأخيرة التي خاضها السوري خالد أكر داخل معسكر غيبور الإسرائيلي في ما يعرف بـ"ليلة الطائرات الشراعية" في 25 نوفمبر 1987.
بنادق الشرطة المصرية في مواجهة الدبابات البريطانية!
سعى المصريون بكل الوسائل الممكنة إلى التخلص من الوجود العسكري البريطاني واستعادة السيادة على قناة السويس حتى قبل ثورة 23 يوليو 1952، وبذلوا في سبيل ذلك الكثير من التضحيات.
ماذا لو كانت "إسرائيل" داخل أراضي الولايات المتحدة؟!
على مدى فترة طويلة من الزمن ظهرت العديد من المشاريع لإقامة وطن قومي لليهود في مناطق متعددة من العالم إحداها تبنتها ألمانيا النازية في 12 نوفمبر 1938، وكان مكانها جزيرة مدغشقر.
مصر.. عصابة شامير والطلقة الأخيرة
اغتيال عصابة شتيرن بزعامة إسحاق شامير الوزير البريطاني لشؤون الشرق الأوسط في 6 نوفمبر 1944، أخرج رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل عن طوره، إلا أن الأمر لم يذهب أبعد من ذلك.
الرسالة "الصاروخية" التي أوقفت مخطط تدمير مصر..
حاولت إسرائيل تغيير مجرى التاريخ في عام 1956 بعد أن وضع رئيس وزرائها دافيد بن غوريون نص الاتفاق السري مع بريطانيا وفرنسا بجيبه وبدأ غزو مصر، رسالة من موسكو أجهضت المخطط.
"نظر إلى الهدف وابتسم".. حينما سقط 241 عسكريا أمريكيا في مطار بيروت
تعود للمرة الثانية ذكرى تفجير مقري القوات الأمريكية والفرنسية في بيروت في أجواء الحرب العنيفة التي تشنها إسرائيل على غزة ولبنان وتضاعف الحشود الأمريكية والقطع البحرية بالمنطقة.
على أرض عربية.. تفاصيل أول عملية قرصنة جوية تنفذها دولة
نفذت أول عملية قرصنة جوية في التاريخ من قبل دولة في 22 أكتوبر عام 1956. صاحبة الفعلة هي فرنسا التي تقدم دائما على أنها دولة متحضرة، إلا أن ذلك لم يمنعها من قطع الطرق حتى في الجو.
قاسم مشترك خطير بين نتنياهو وغولدا مائير
مع حروب إسرائيل المتتالية الحالية وسلسلة الاغتيالات الطويلة في وضع يندر بخطر حرب شاملة في المنطقة تظهر قواسم مشتركة عديدة بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وغولدا مائير.
في سماء مصر.. أكبر معركة جوية بعد الحرب العالمية الثانية
شهدت حرب أكتوبر في يومها التاسع معركة جوية تعد الأكبر ما بعد الحرب العالمية الثانية. المعركة جرت فوق المنصورة الواقعة وسط دلتا النيل، وتكبد سلاح الجو الإسرائيل خسائر غير مسبوقة.
التعليقات