ماريا زاخاروفا ذكرت قصة أكل الهولنديين في القرن 17 لرئيس وزرائهم، في معرض سخريتها من تعليق الأمين العام لحلف الناتو الهولندي مارك روته والذي قال فيه إنه "لن يقلق إذا تبين" أن نبأ اغتيال السنوار صحيح.
على نفس الطريقة الساخرة، وعلى الرغم من أن رؤساء الوزراء كما بقية البشر، لا يمكن أن يكونوا ولا بأي حال "وجبة" صالحة للأكل، إلا أن ذلك لم يمنع الهولنديين من أكل رئيس وزرائهم في عام 1672.
التاريخ يعود بنا ويروي أن الجمهورية الهولندية وجدت نفسها في وضع صعب منتصف القرن السابع عشر. كانت هولندا وقتها محاطة بدولة عدوة تسعى إلى إخضاعها أو حتى الاستيلاء عليها.
في تلك الحقبة من الزمن كانت هولندا جمهورية غنية بفضل احتكارها للنشاط التجاري في جنوب شرق آسيا، وهو وضع كان موضع حسد الآخرين. كان العدد الكبير من الخصوم والمتربصين يعني أن الحرب كانت حتمية لهذا البلد.
لم يكن لهولندا في تلك الفترة رئيس وزراء حتى عام 1653، وكان يرأسها رسميا حكام محليون، في العادة كانوا أمراء من عائلة أورانج، وكانت مرتبتهم تعادل ملكا منتخبا. بعد وفاة ويليام الثاني ملك أورانج عام 1650، أصبح المنصب شاغرا.
بعد وفاة حاكم الدولة، ترأس الجمهورية، شخصية شهيرة وقتها في هولندا وكانت تعتبر أغنى مقاطعة. كان اسمه جان دي ويت. كان دي ويت من دعاة السلام، وكان مهتما فقط بحماية المصالح التجارية للجمهورية، لذلك سعى إلى تجنب الحرب بأي ثمن. أمر دي ويت ببناء أسطول حربي قوي، ولكن حصريا لحماية السفن التجارية.
في العقود التالية، وجدت البلاد نفسها منقسمة إلى معسكرين. في الأول شخصيات دافعت عن الحكومة المنتخبة واللامركزية، وفي الثاني مناصرو أورانج الذين لم يكتفوا بدعم المركزية فقط، بل أرادوا أيضا أن تتحول هولندا بشكل نهائي إلى نظام حكم ملكي بقيادة سلالة أورانج.
بريطانيا شنت حربا ضد هولندا في عام 1665، بهدف زعزعة هيمنتها التجارية المنافسة، إلا أن الأسطول الهولندي القوي تمكن من هزيمة البريطانيين بسرعة. وجد دي ويت نفسه في ذروة شعبيته، واستغل هذا النصر وقتها لإضعاف نفوذ معسكر أورانج، الذي قاده الشاب ويليام أوف أورانج.
من ذلك أنه ألغى في عام 1667 منصب "الحاكم"، حتى لا يتمكن ويليام من الوصول إلى السلطة حين يبلغ سن الرشد. هذه الخطوة أغضبت معسكر أورانج، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراءات مضادة.
الأوضاع تغيرت بشكل جذري في عام 1672، حين قرر ملك فرنسا لويس الرابع عشر بشكل غير متوقع مساندة البريطانيين وغزو هولندا. في ذلك العام، كانت الأحوال تسير بشكل سيء للغاية بالنسبة للهولنديين إلى درجة أنها دخلت التاريخ واعتبرت "عام كوارث".
فيما كان الفرنسيون يتقدمون إلى داخل هولندا، قام أورانج بمحاولة فاشلة لقتل دي ويت. استقال دي ويت، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لأورانج، لأنه يمكن في أي وقت أن يعود إلى السلطة، ولذلك تم القبض على شقيقه.
مضى دي ويت في 20 أغسطس من نفس العام لزيارة شقيقه، إلا أنه اصطدم بحشد مسلح مخمور وقتل وقام الغوغاء بعد ذلك بجر شقيقه من السجن وقتلوه هو أيضا، وبعد ذلك أكل الحشد لحم المغدورين. الرواية التاريخية تقول إن الغوغاء لم تتناول الجثتين كاملتين ولكن أجزاء مختارة منهما.
المصادر التي تطرقت إلى هذه الواقعة الوحشية، وصفتها بأنها كانت بمثابة مظهر منظم لأكل لحوم البشر، وأنها ظاهرة نادرة إلى حد ما في تلك الأوقات.
لم يقتل دي ويت بسبب شدة سكر الغوغاء، بل لأن الكثيرين اعتبروه المذنب الرئيس في جميع المشاكل. أفراد الحشد أكلوا لحمه لأنهم كرهوه بشدة. ولأنه سعى إلى منع وريث عائلة أورانج من الوصول إلى السلطة، أراد أنصار أورانج إذلاله حتى بعد موته.
ماذا كان مصير قتلة وآكلي رئيس الوزراء الهولندي وشقيقه؟ لم يحدث لهم أي سوء. وليام أورانج حين وصل إلى السلطة وأصبح يدعى ويليام الثالث، عفا عنهم جميعا.
هذه النقطة كتبت عنها المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قائلة: "هذه هي الحضارة الغربية. ثم تم العفو عنهم جميعا. ردود أفعال أكلة لحوم البشر، كما نرى، لا تزال قوية".
المصدر: RT