بدأت تلك الحرب الوحشية التي أراد من خلالها زعيم النازيين الألمان هتلر تفريغ الاتحاد السوفيتي من سكانه وتوطين الألمان بدلهم، في 22 يونيو عام 1941 وانتهت بنصر تاريخي في 9 مايو 1945 على أنقاض برلين.
في تلك الحرب المدمرة التي تسمى في المنطقة "الحرب الوطنية العظمى"، قتل 27 مليون مواطن سوفيتي، وكان نصيب الاتحاد السوفيتي من مجمل خسائر الحرب العالمية الثانية 40 بالمئة.
بالدم والدموع سطر السوفييت جيشا وأفرادا وجماعات وسكان مدن كاملة بطولات نادرة، مرغت هيبة النازيين في التراب وحمت اسطورة "جيش" المعرك الخاطفة الذي لا يقهر.
إحدى تلك البطولات العديدة تتميز بأنها غير عادية على الإطلاق، وتفاصيلها تفوق الخيال، ولم تصدقها الاستخبارات العسكرية السوفيتية ذاتها لفترة طويلة.
بطل هذه القصة المثيرة والتي تشبه رواية خيالية، طيار مقاتل كان انطلق منذ اللحظة الأولى للغزو النازي إلى الجبهة مقاتلا في الجو ولم يكتف بذلك. حيثما كان وفي أصعب الظروف بما في ذلك حين ينعدم مجال المناورة، كان مستعدا للعمل ضد الأعداء بجسارة نادرة وإرادة صلبة.
قصة البطل المجهول:
ميخائيل ديفياتايف وهو من سكان مدينة قازان عاصمة تترستان، كان يبلغ من العمر 24 عاما حين بدأت جيوش النازيين وحلفاؤهم الجرارة والتي بلغ تعداها خمسة ملايين ونصف المليون جندي وضابط، غزو الاتحاد السوفيتي.
ديفياتايف في ذلك الوقت كان يحمل رتبة ملازم في القوات الجوية وكان طيارا مقاتلا. تصدى مع زملائه للنازيين في الجو، وتمكن على مدى ثلاثة أشهر من إسقاط 9 طائرات للقوات النازية ثم أسقطت طائرته وأصيب بجروح خطير أدخلته المستشفى.
بعد تعافيه في يناير 1942، كلف هذا الطيار السوفيتي بقيادة طائرة إسعاف. عمل في فوج الإسعاف الجوي رقم 1001، وأسهم في إجلاء الجرحى من الجبهات، وإيصال الأدوية وإمدادات الدم إلى الخطوط الأمامية.
في عام 1944 تمكن ميخائيل ديفياتايف من العودة إلى صفوف الطيران المقاتل، وواصل قتاله على متن مقاتلة من طراز "إف – 30 إيروكوبرا"، وسرعان ما أسقط في 13 يوليو من نفس العام الطائرة المعادية رقم 10 في سجله.
في نفس اليوم أسقطت طائرته. تمكن من النزول بالمظلة وهبط في منطقة محتلة ووقع في أسر العدو. كان حينها قد نفذ 600 مهمة قتالية منها 180 على طائرات مقاتلة.
قام النازيون باستجوابه، ثم أرسل إلى معسكر للأسرى في لودز ببولندا. هناك حاول الفرار، لكنه لم ينجح، فأرسل إلى معسكر اعتقال " زاكسينهاوزن" الذي كان يعرف بأنه معسكر للموت.
لاحقا نقل مرة أخرى إلى معسكر كارلشاجين، وهو يقع قرب مركز اختبار بينيموند السري الخاصة بتجريب المقذوفات الصاروخية والصواريخ الباليستية من طراز "في -2".
بقيت فكرة الهروب مسيطرة على هذا الطيار، وبدأ المحاولة من جديد. في تلك المرة استعد جيدا واختار أسلوب فرار استثنائيا وفريدا وشديد الخطورة. درس المسألة بتمعن ثم اتفق مع أسرى آخرين بينهم ضابطان، وبقي يترقب الفرص.
الفرصة سنحت في 8 فبراير 1945. كان ديفياتايف مع 9 أسرى قد كلف بتنظيف مدرج الطيران من الثلوج صحبة أحد الحراس النازيين. بإشارة من الطيار الأسير قامت المجموعة بتحييد الحارس.
انطلق ديفياتايف والأسرى التسعة إلى طائرة ألمانية قاذفة للقنابل من طراز "هينكل 111". تحت إمرته تمت تزويدها ببطارية بسرعة، واستقلت المجموعة الطائرة في غفلة من الحراس النازيين.
على الرغم من أن هذا النوع من الطائرات غريب تماما عليه، إلا أن ديفياتايف، حقق المستحيل. تمكن من تشغيل الطائرة القاذفة وانطلق بها مع أصحابه في الجو.
كانت الطائرة القاذفة مزودة بمنصة حديثة وسرية للغاية لإطلاق صواريخ "في-2". لم ينتبه الألمان لما يجري إلا بعد أن أصبحت الطائرة في الجو. أرسلوا مقاتلة وراءها، إلا أنها اختفت سريعا خلف الغيوم.
اندفع ديفياتاييف بالطائرة القاذفة الألمانية في اتجاه الجنوب الشرقي على مسافة 300 كيلو متر نحو وحدات الجيش السوفيتي المتقدمة. انطلقت المدافع المضادة من المواقع الألمانية ومن المواقع السوفيتية على حد سواء.
تمكن الطيار السوفيتي بصعوبة من الهبوط بالطائرة في حقل بالقرب من إحدى القرى البولندية. نقل الأشخاص العشرة إلى معسكر للتحقق من هوياتهم. في تلك الظروف المعقدة، لم تصدق الاستخبارات العسكرية السوفيتية رواية ديفياتاييف ورفاقه، واستمر الاستجواب لفترة طويلة. الضباط الثلاثة بقوا رهن التوقيف حتى نهاية الحرب، فيما أرسل سبعة من الأسرى السابقين إلى الجبهة، عاد حيا واحد منهم فقط.
هذه القصة المثيرة لم تعرف إلا بعد وقت طويل من انتهاء الحرب. ميخائيل ديفياتايف لم يتمكن فقط من الفرار تحت أنوف النازيين بإحدى قاذفاتهم فحسب بل ونقل إلى بلاده معلومات سرية عن برنامجهم الصاروخي.
الطيار السوفيتي البطل، أعيد له الاعتبار والتقدير في عام 1957، ومنح لقب بطل الاتحاد السوفيتي للطيار الجسور. عاش ميخائيل ديفياتايف عمرا مديدا، وتوفى بعد أن ناهز 85 عاما في 24 نوفمبر عام 2002.
المصدر: RT