معركة "سولفرينو" التي جرت بين فرنسا والنمسا استمرت 16 ساعة، وقد انتهت بمقتل 4699 جنديا على الفور، فيما أصيب وفقد حوالي 50 ألفا آخرين.
المأساة في تلك المعركة العنيفة اكتملت بمصرع أغلب الجرحى لعدم وجود ما يكفي من الأطباء والأدوية.
في اليوم التالي للمعركة وصل رجل أعمال سويسري يدعى جان هنري دونانت إلى إيطاليا بهدف لقاء الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث للشكوى من صعوبة مزاولة الأعمال التجارية في الجزائر، التي كانت وقتها تحت الاحتلال الفرنسي منذ عام 1830.
تصادف أن وجد هنري دونانت نفسه في بلدة كاستيجليون الإيطالية التي نُقل إليها الجرحى. شاهد رجل الأعمال السويسري فظائع الحرب على أبدان الجرحى، ونجح في إقناع السكان المحليين بتقديم المساعدات للجنود الجرحى بما في ذلك من يتبع لجيش الخصوم.
بعد عودته على جنيف،، وثّق هنري دونانت ما شاهده في كتاب نشره في عام 1862 تحت عنوان "ذكريات معركة سولفرينو"، وأرسل نسخا من الكتاب إلى شخصيات سياسية وعسكرية بارزة في أوروبا.
رجل الأعمال السويسري روج في كتابه لفكرة تشكيل منظمات تطوعية وطنية تكون مهمتها مساعدة الجنود الجرحى في الحروب، وطالب بتوقيع معاهدات دولية تضمن سلامة الأطباء والمستشفيات وحيادها في التعامل مع الجرحى في ساحات المعارك.
ساند أربعة رجال من الشخصيات السويسرية جان هنري دونانت، هم الجنرال غيوم هنري دوفور، المحامي غوستاف موينيت، الجراح لويس أبياه والدكتور ثيودور مونوار، وتم تشكيل "لجنة الخمسة"، وقاموا بتنظيم "اللجنة الدولية والدائمة لإغاثة الجرحى"، والتي تغير اسمها لاحقا إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 1880.
لجنة الخمسة، عقدت في 26 أكتوبر عام 1863، مؤتمرا دوليا بمشاركة ممثلين عن 14 دولة، أفضى بنجاح إلى اعتماد العلامة المميزة للعاملين الطبيين الذين يقدون المساعدة للجرحى في ساحة المعركة وهي عبارة عن صليب أحمر على خلفية بيضاء، كما اعتمد لاحقا شعار الهلال الأحمر وجمعيات الهلال الأحمر العاملة في المناطق الإسلامية.
أما اللجنة الروسية للصليب الأحمر فقد ظهرت في روسيا القيصرية في مدينة سان بطرسبورغ في عام 1879، في حين ظهرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بهذه التسمية في جنيف في عام 1880 بعد أن كانت تأسست في عام 1864 تحت اسم "اللجنة الدولية لإغاثة الجرحى".
هنري دونانت حصل في عام 1901 على جائزة نوبل للسلام لمساهمته في إنشاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر والتوقيع على اتفاقية جنيف الأولى. الجائزة تقاسمها مع داعية السلام الفرنسي فريدريك باسي.
قضى هذا الرجل السويسري الذي حوّل مشاهد حرب مأساوية كان رآها إلى عمل إنساني كبير يخفف وطأة الحروب، سنواته الأخيرة في ضيق مادي. هنري دونانت الذي توفى في عام 1910، كان تبرع بقيمة جائزة نوبل للجمعيات الخيرية في النرويج وسويسرا.
المصدر: RT