الحكومة الهولندية بالتزامن مع رفضها تسليم فيلهلم الثاني إلى قوى الوفاق للمحاكمة، اتهمت الإمبراطور الألماني السابق بأنه "أعلى إهانة للأخلاق الدولية والقوة المقدسة للمعاهدات".
معاهدة فرنساي لعام 1919 كانت اعتبرت الإمبراطور الألماني الأخير مجرم حرب، والمذنب الرئيس في إشعال نيران الحرب العالمية الأولى المدمرة التي تسببت إجمالا في مقتل 20 مليون شخص وإصابة 21 مليون آخرين.
فيلهلم الثاني كان جلس على العرش من 15 يونيو عام 1888، وأجبر على مغادرته بتنازله في 9 نوفمبر 1918 بعد الهزائم الكبيرة التي تعرضت له قواته على الجبهة الغربية في نفس العالم.
كانت ضمانات الدعم العسكري الألماني للإمبراطورية النمساوية الهنغارية أثناء أحداث يوليو هام 1914 المتمثلة في اغتيال ولي عهد النمسا في ساراييفو، أحد الأسباب المباشرة لاندلاع الحرب العالمية الأولى، وكانت السلطات الرئيسة في ذلك الوقت قد انتقلت إلى هيئة الأركان العامة للجيش الألماني، وبحلول عام 1918، فقدت الإمبراطورية الألمانية جميع مكاسبها على الجبهة الغربية بعد أن تعرضت لهزائم حاسمة في خريف عام 1918.
إثر ذلك اندلعت الثورة الألمانية 1918 – 1919، وفقد الإمبراطور فيلهلم الثاني دعم الجيش وملايين من مواطنيه، وفر إلى هولندا بعد وقت قصير من تنازله عن العرش، ولم يعد بعدها بتاتا إلى بلاده، فيما حاولت الثورة الألمانية إقامة دولة ديمقراطية على أنقاض النظام الملكي، عرفت باسم جمهورية فايمار، إلا أنها لم تكن مستقرة.
بعد هزيمة القوات الألمانية وسقوط النظام الملكي، خبت رغبة دول الوفاق المنتصرة في القصاص من فيلهلم الثاني، وكتب العاهل البريطاني جورج الخامس، أنه يعتبر الإمبراطور الألماني المخلوع، وكان ابن عمه، "أعظم مجرم في التاريخ"، لكنه عارض اقتراح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد لويد جورج بـ "شنق القيصر"، وذُكر في الدوائر الرسمية في لندن في 1 يناير 1920 أن بريطانيا "ترحب برفض هولندا تسليم القيصر السابق إلى المحكمة".
عاش فيلهلم الثاني بقية حياته مرفها في هولندا. أثناء ذلك، انكب على إعداد دراسات تاريخية وثقافية وأسس منتدى أبحاث لاهوتية.
كما نشر الإمبراطور الألماني المخلوع في عام 1922، المجلد الأول من مذكراته، ودافع عن نفسه فيه، نافيا أي ذنب له في إطلاق رحى الحرب العالمية الأولى الدموية، كما قامت السلطان الألمانية في عام 1926 بإعادة الأراضي المصادرة منه.
في نفس الوقت، لم يغفل فيلهلم الثاني عن مضاعفة ثروته بنفسه، وقام بالاستثمار بنجاح في الصناعات الثقيلة الألمانية بداية الثلاثينيات، كما تمكن بحلول عام 1924 من اتقان اللغة الهولندية.
أمضى الإمبراطور المخلوع وقته في منفاه وهو يتسلى بالصيد، كما شغف كثيرا بتقطيع الحطب حتى أن بعض التقديرات تشير إلى أنه قطع أكثر من 1000 شجرة، وظل طوال الوقت يحلم باستعادة النظام الملكي في ألمانيا وأن يعود أو أحد أحفاده إلى العرش.
في المنفى، شهد صعود أدولف هتلر إلى السلطة في بلاده، واندلاع الحرب العالمية الثانية، وحين سقطت فرنسا أمام جحافل النازيين، أرسل الإمبراطور المخلوع برقية تهنئة إلى هتلر في 24 يونيو عام 1940. الزعيم النازي بعد قراءة البرقية وصف مرسلها بأنه "عجوز أحمق"، ولم يرد.
حين غزت قوات هتلر هولندا في مايو عام 1940، رفض فيلهلم عرضا من رئيس الوزراء البريطاني حينها ونستون تشرشل للجوء إلى الجزر البريطانية، وفضّل البقاء في منفاه.
الإمبراطور الألماني المخلوع توفى مساء يوم 4 يونيو عام 1940 عن عمر ناهز 82 عاما بعد معاناة من انسداد رئوي.
حين علم هتلر بالنبأ، أمر على الرغم من كراهيته له، بإقامة جنازة عسكرية له. كان الزعيم النازي يحاول استغلال الأمر لصالحه بالترويج للدولة النازية التي يديرها على أنها وريثة للإمبراطورية الألمانية.
المصدر: RT