وتزامن نشر برتوكول جلسة الحكومة الإسرائيلية مع مرور 30 عاما على انعقاد الجلسة التي توصف بـ"التاريخية".
وكشف محضر الاجتماع الذي نشر بواسطة "أرشيف الدولة" الإسرائيلي بعد موافقة الجهات الرقابية، شكوكا لدى رئيس الحكومة حينها إسحاق رابين، حول التزام الجانب الفلسطيني ببنود فيما عرف آنذاك بـ"مسودة إعلان مبادئ مع الفلسطينيين" وهو عبارة عن نص مكون من 81 صفحة تم تصنيفه على أنه "سري للغاية".
كما كشف المحضر أنه من بين أعضاء الحكومة الـ18 في ذلك الوقت، صوت 16 لصالح الموافقة على اتفاقات أوسلو وامتنع اثنان عن التصويت أرييه درعي (شاس) وشمعون شطريت (العمل).
واعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية حينها إسحاق رابين، أن إسرائيل تقدم بموجب الاتفاق أكثر مما تحصل عليه من الفلسطينيين.
وفي حين شدد رابين على أن الاتفاقية ليست بسيطة وأن صياغتها "غير ودية" بالنسبة لإسرائيل، اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز، أنه لا يوجد طرف فلسطيني يمكن لإسرائيل التعامل معه رسميا باستثناء منظمة التحرير الفلسطينية، مشددا على ضرورة "تقوية" الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، عبر تشكيل السلطة.
من جانبه، حذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في ذلك الحين إيهود باراك، صراحة مما وصفه بـ"مشاكل وتحديات أمنية" تترتب على الاتفاقية.
وكان على جدول أعمال الحكومة حينها المصادقة على الاتفاقية التي تم التوقيع عليها رسميا بعد نحو أسبوعين في البيت الأبيض في تسميتها الرسمية "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي".
وفي ختام الجلسة، صادقت الحكومة الإسرائيلية على الاتفاقية بتأييد 16 وزيرا وامتناع اثنين عن التصويت، علما بأن المداولات تطرقت لتفاصيل الاتفاقية وصياغة بنودها المختلفة، وطرحوا سيناريوهات قد تطرأ ولا تقدم الاتفاقية استجابة لها، وطوال النقاشات طرحت مخاوف من استخدام "وسائل غير مشروعة" من قبل اليمين الإسرائيلي الذي عارض الاتفاقية.
وفي التفاصيل، قال موقع "يديعوت أحرونوت" العبري إن اللقاء عقد عند الساعة 19.00 في مقر سكرتارية الحكومة وترأسه رئيس الوزراء إسحاق رابين.
ويشير الموقع إلى أن رابين شرح إلى حد كبير أو تنبأ باللقاء والاتفاقات والمستقبل في بداية كلامه: "هذا ليس اتفاقا سهلا"، مضيفا أن "كل اتفاقية حكم ذاتي كانت معقدة بسبب الظروف، ليس في صياغتها، ولكن في كيفية ترجمتها على أرض الواقع، في واقع معقد.. هناك أيضا صياغات غير متعاطفة (أصيغ كلامي بعناية)، ولكن يجب أن نرى.. جميع العناصر المختلفة في رؤية أكثر شمولا".
ومضى الموقع قائلا "كان رابين واضحا في كلامه أنه لا يثق بالطرف الآخر من الاتفاق، ومع ذلك قام بالخطوة"، حيث ثرح رابين "هناك القضية الفلسطينية التي من الواضح أنها ترتيب مؤقت، ومن الواضح أن المفاوضات هذه المرة لم تكن مع الوفد لأن الوفد ليس سوى واجهة.. واجهة للفاكسات والهواتف لتونس.. ليس له سلطة مستقلة.. لمدة عام كنت آمل أن يخرج منهم شيء.. لم يكن هناك خيار".
وفي مرحلة ما من المناظرة، حاول رابين أن يوضح بالتفصيل مدى تعقيد الوضع الجديد، حيث قال "أيها الرفاق العمل معقد للغاية.. حوادث السيارات في أي محاكم سيتم الحكم عليهم؟ السرعة، سرقة السيارات".
وتابع قائلا: "هناك أشياء في مثل هذه الأمور.. الواقع ليس له حلول سلسة، لأن فكرة الحكم الذاتي، النظام المؤقت، هي فكرة معقدة، تم اختراعها عندما لم يكن هناك أي استيطان يهودي تقريبا في المناطق، عندما كان الأمر برمته أبسط بكثير. الاستيطان خاصة في المناطق المكتظة بالسكان أدى إلى تعقيد الحياة.. كان هذا هو هدفها السياسي.. لقد كانت تسوية سياسية وغير أمنية، دون أي مساهمة أمنية. يأتون إلى هنا للتظاهر، لكن الجيش الإسرائيلي وجنود الاحتياط يحرسون مستوطناتهم، وليس عليهم".
وبعد ذلك، تم تناول مسألة تعزيز حركة حماس لمركزها في العالم العربي وكذلك بين الفلسطينيين، حيث صرح رابين: "بالنسبة لي، هذا اختبار لقدرة العناصر المؤيدة للسلام التي تدعم منظمة التحرير الفلسطينية على التعامل مع حماس.. سوف تسير بشكل رئيسي في هذا الاتجاه.. ولكن ليس هناك يقين.. فقط الجيش الإسرائيلي موجود وهناك إغلاق لغزة في كل الاتجاهات".
وردا على ذلك، أكد وزير الخارجية السابق شمعون بيريز، وهو أكثر حماسا، أن "هناك التزاما صريحا عند التوقيع على إعلان المبادئ، بأن يصدر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إعلانا عن وقف ما وصفه بـ"الإرهاب".
ويضيف شمعون بيريز: "لذا أعطوه الأسلحة، أعطوه الشرطة، انظروا إلى الوضع السخيف الذي نعيشه.. من منظمة التحرير الفلسطينية تأخذون الشرطة، بينما تتركون الأسلحة لحماس.. لنفترض اختفاء منظمة التحرير، مع من سنتحدث، مع من سنتفاوض.. مع زعيم حماس؟".
ثم يؤكد شمعون بيريز أنه يجب تجنب إخلاء المستوطنات، حيث قال "من المتفق عليه إن المستوطنات ستبقى كما هي حتى في قطاع غزة.. ولن يتم تدمير أي مستوطنة".
وفي هذه اللحظة، يتدخل رئيس الأركان السابق إيهود باراك في الحديث: "من القراءة الأولى للاتفاقات من حيث المبدأ، ألاحظ وجود مشاكل خطيرة للغاية في تنفيذ العنصر الأمني، سواء في مرحلة غزة أو أريحا أكثر من مرحلة غزة.. المرحلة الأبعد في النص حسن النية وكفاءة الشرطة الفلسطينية ليست سوى فرضيات (...) وفيما يتعلق بالاستخبارات الذي سينشئها الفلسطينيون، فإن الاتفاقيات تنص على تعاون محدود للغاية معه.. كما تنص الاتفاقيات على أن العناصر المتطرفة بين الفلسطينيين ستحاول نسف الاتفاق، وهو الأمر نفسه في المجتمع الإسرائيلي".
وبعد ذلك يشير المشاركون في الاجتماع إلى "لاجئي 1967" في إشارة إلى الفلسطينيين الذين خرجوا من القدس الشرقية خلال حرب الأيام الستة.
كما تدخل وزير الدفاع موشيه شاشال، مشيرا إلى أنه يتوقع ارتفاع مستوى الجريمة بسبب التعاون بين المجرمين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث ناقش ضرورة التوصل إلى اتفاق بين قوات الشرطة.
ويشير المحضر أيضا إلى التوتر المتوقع بين الجمهور الإسرائيلي وخاصة في المعارضة، ويذكر في هذا الصدد أنه قبل يوم ألقيت قنبلة صوت على منزل الوزير درعي، حيث قال وزير الداحلية إن الأجواء تشير إلى إمكانية إراقة الدماء.
ويستمر موشيه شاشال في اقتباس ما قاله بنيامين نتنياهو على شاشة التلفزيون في اليوم السابق: "سوف نوقف عملية "أوسلو" ولدينا القدرة على إيقافها".
من جهتها تساءلت وزيرة التربية والتعليم شولاميت ألوني خلال اللقاء: "لدي ملاحظة يجب أن أبديها.. هل الوضع الأمني اليوم آمن مئة بالمئة؟ البديل، بدون هذا الاتفاق هل سيضمن وضعا أمنيا أفضل، متى؟.. الشعوب التي تخضع لنظامنا تفقد كل أمل وحماس ستنهض من جديد بسبب الحصار؟ هذا السؤال حصل على أقصى الإجابات الممكنة في الاتفاق كما هو معروض هنا.. وأعتقد أن المشكلة تمت دراستها من جميع الزوايا الممكنة من أجل تقديم أعظم الضمانات الأمنية، ولا ينبغي لنا أن نثير الشعور بأن الوضع الذي خلقته هذه الاتفاقيات سيكون أكثر خطورة من بديلها.. لكننا نعلم أنه من المستحيل أن نأمل ألا يكون هناك ما نسميه الإرهاب".
وفي كلمته الختامية قال رابين إنه ناقش مع رئيس الأركان إيهود باراك التبعات الأمنية لشكل من أشكال الحكم الذاتي بسلطة قضائية وبدون سلطة قضائية، وقال إنه من الضروري إقامة شراكة مع الفلسطينيين، في حين أنه من غير المعروف على وجه اليقين كيف سيتصرفون في السيطرة.. تخيل أننا نترك غزة أولا، أعتقد أننا سنفعل ذلك على مراحل.. لا أفعل ذلك، لست كذلك.. أنا متأكد من أن مدينة غزة ستكون الأولى.. ربما سنبدأ بمخيمي اللاجئين.. سيتعين علينا المضي قدما على مراحل لنرى ما إذا كان الفلسطينيون سيسيطرون على السلطة أم لا ومن سيتولى السلطة.. سيكون لديك بعد ذلك التعرف على هؤلاء القادة والتحدث معهم".
جدير بالذكر أنه تم توقيع اتفاقية أوسلو فعليا في 13 سبتمبر 1993 في البيت الأبيض بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، حيث مثل فلسطين الرئيس ياسر عرفات، فيما مثل الطرف الإسرائيلي وزير الخارجية حينها شمعون بيريز.
وتتكون الاتفاقية من 17 بندا أهمها:
1- الانسحاب الإسرائيلي من غزة وأريحا، وينتهي هذا الانسحاب في غضون شهرين، ويجري انتقال سلمي للسلطة من الحكم العسكري والإدارة المدنية الإسرائيلية إلى ممثلين فلسطينيين تتم تسميتهم لحين إجراء انتخابات المجلس الفلسطيني.
- لن يكون الأمن الخارجي والعلاقات الخارجية والمستوطنات من مهام السلطة الفلسطينية في المناطق التي سينسحب الجيش الإسرائيلي منها.
- أما بالنسبة للأمن الداخلي، فسيكون من مهام قوة شرطة فلسطينية يتم تشكيلها من فلسطينيي الداخل والخارج مع وجود لجنة للتعاون الأمني المشترك.
2- تشكيل سلطة حكم فلسطيني انتقالي تتمثل في مجلس فلسطيني منتخب يمارس سلطات وصلاحيات في مجالات محددة ومتفق عليها لمدة 5 سنوات انتقالية.
3- يتولى المجلس الفلسطيني حق الولاية على كل الضفة وغزة في مجالات الصحة والتربية والثقافة والشؤون الاجتماعية والضرائب المباشرة والسياحة إضافة إلى الإشراف على القوة الفلسطينية الجديدة، ما عدا القضايا المتروكة لمفاوضات الحل النهائي مثل القدس، والمستوطنات، والمواقع العسكرية، والإسرائيليين المتواجدين في الأرض المحتلة.
4- تبدأ المرحلة الانتقالية بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة وأريحا، وتستمر لمدة 5 سنوات تجرى خلالها انتخابات عامة حرة مباشرة لاختيار أعضاء المجلس الفلسطيني الذي سيشرف على السلطة الفلسطينية الانتقالية، وعندما يتم ذلك تكون الشرطة الفلسطينية قد استلمت مسؤولياتها في المناطق التي تخرج منها القوات الإسرائيلية خاصة تلك المأهولة بالسكان.
5- البدء في مرحلة مفاوضات الوضع النهائي بعد انقضاء ما لا يزيد عن ثلاث سنوات، وتهدف إلى بحث القضايا العالقة مثل القدس، والمستوطنات، واللاجئين، والترتيبات الأمنية، والحدود، إضافة إلى التعاون مع الجيران وما يجده الطرفان من قضايا أخرى ذات اهتمام مشترك، كل ذلك سيتم بحثه استنادا إلى قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338.
وبموجب هذه الاتفاقية وافقت منظمة "التحرير الفلسطينية" على التخلي عن 78% من الأراضي الفلسطينية وتأسيس دولة فلسطينية على 22% فقط من الأرض المتبقية، متمثلة في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة.
ورفضت فصائل فلسطينية اتفاقية أوسلو وعلى رأسها حركة "حماس" بالإضافة إلى منظمات أخرى مثل "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" و"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" و"جبهة التحرير الفلسطينية"، حيث رفضت كل هذه المنظمات الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود.
وبعد عام من التوقيع على اتفاقية" أوسلو" حصل كل من اسحاق رابين وشمعون بيريز وياسر عرفات على جائزة نوبل للسلام لسنة 1994، وذلك تقديرا لجهودهم في التوصل إلى حل سلمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
المصدر: وسائل إعلام عبرية