مبنى فندق الملك داود المكون من ستة طوابق كان افتتح في عام 1932 وكان يعد الأول من نوعه والأحدث في فلسطين، وكان يضم مباني الإدارة البريطانية لفلسطين والمقر الرئيسي في قسمه الجنوبي، ومقسم الهاتف العسكري البريطاني في الطابق السفلي، الشرطة العسكرية وإدارة التحقيقات الجنائية التابعة لشرطة فلسطين في المباني الملحقة، علاوة على وجود القنصلية الفرنسية في القسم الشمالي.
تفاصيل زرع المتفجرات في الفندق:
وصلت على مبنى الفندق في الساعة 11:45 صباح يوم 22 يوليو 1946 سيارة صغيرة بها مسلحون متنكرون في ملابس عربية طويلة قيل إنها تشبه ما يرتديه الخدم.
حمل المسلحون سبع علب حليب بها متفجرات يصل وزنها الإجمالي إلى حوالي 350 كيلو غراما، ونزلوا بها إلى قبو الفندق، ووضعوها على مسافة قريبة من المطبخ، بالقرب من الأعمدة الداعمة للمبنى.
زرعت القنابل في مكانها في القبو ووقتت صمامات القنابل بحيث تنفجر بعد 30 دقيقة. وبهدف إبعاد المارة عن الشارع، فجر المسلحون عبوة ناسفة صغيرة، إلا ن انفجار العبوة كان له تأثير معاكس وبدل أن يبتعد الناس ركض أشخاص لمعاينة أثر الانفجار، فيما تسبب انفجار العبوة أيضا في انقلاب حافلة عابرة، وجرى نقل المصابين على الفندق لتلقي الإسعافات الأولية.
في مذكراته، يقول مناحيم بيغن، وهو المسؤول الرئيس عن التفجير الإرهابي، إن الانفجار وقع الساعة 12:10، وأن صبيتين تبلغان من العمر 16 عاما طُلب منهما أن تجريا ثلاثة اتصالات هاتفية لتحذير إدارة الفندق وصحيفة فلسطين بوست والقنصلية الفرنسية، من الانفجار الوشيك.
البريطانيون نفوا تماما فيما بعد وصول أي تحذير إليهم، وقيل أنهم اعترفوا في جلسة مغلقة في المحكمة في وقت لاحق بأنهم تلقوا تحذيرا إلا انهم لم يتمكنوا من اتخاذ أي إجراء لضيق الوقت.
انفجرت القنابل في قبو فندق الملك داود في القدس، وتسبب في انهيار قسم من المبنى، وقتل 91 شخصا، من بينهم 41 عربيا و17 يهوديا و28 بريطانيا.
ذلك الهجوم الإرهابي الشهير ضد البريطانيين كان ردا على عملية قامت بها الشرطة العسكرية البريطانية في 29 يونيو 1946، ضد التنظمات السرية الصهيونية جرى في سياقها احتجاز عدة آلاف من الأشخاص ووضعهم في معسكرات بالقرب من مدينتي اللطرون ورفح.
الجدل لا يزال حتى الآن يدور حول صدور تحذير للسلطات البريطانية قبيل التفجير بـ 15 دقيقة من عدمه، كما يطال الجدل أيضا دور منظمة الهاغاناه وهي تكتل عسكري رئيس لمنظمات يهودية، في تنفيذ العمل الإرهابي.
الوكالة اليهودية والهاغاناه بعد التفجير الدموي، حاولتا النأي بأنفسهما عن العملية والتنصل منها " على الرغم من أنها نفذت في الواقع بناء على طلبهما"، بل ومضى رئيس الوكالة اليهودية في ذلك الحين ديفيد بن غوريون إلى درجة الإعلان عن أن منظمة إرغون "عدو للشعب اليهودي"!
التعليمات التي تلقاها رئيس منظمة "إرغون" السرية، مناحيم بيغن في 1 يوليو 1946 من رئيس أركان الهاغاناه موشيه سنيه، تقول: "يجب تنفيذ عمليتي (الفرخ) و(عبدك والمخلص) في أقرب وقت ممكن. اسمحوا لنا أن نعرف التاريخ الدقيق. ويفضل في وقت واحد. لا يتم ذكر اسم المنظمة التي تقوم بالعملية مباشرة أو بالتلميح. نحن نستعد لأشياء أخرى، ونحن سنبلغكم في الوقت المناسب".
الإسرائيليون يرون أن ذلك العمل الإرهابي قد صدم البريطانيين، وقد "ساعد في تسريع قرارهم بالانسحاب من فلسطين بعد ذلك بعامين"، ويعتقدون أيضا أن ذلك التفجير الدموي لا يزال "حتى الآن موضع جدل حول مدى ملاءمته وما إذا كان من أعمال الإرهاب، علاوة على المسؤولية عن الخسائر الكبيرة في الأرواح البشرية".
التفجير الذي ضرب فندق الملك داود في القدس كان عنيفا إلى درجة أن عمليات الإنقاذ ورفع الأنقاض استغرقت ثلاثة أيام، حملت خلالها 2000 شاحنة ببقايا المبنى المنهار. أما الضحايا البشرية التي سقطت في تللك العملية الدموية، فمن النادر أن يتحدث عنها أحد!
المصدر: RT