ومع ذلك، سلط بحث جديد الضوء على جانب مثير للاهتمام، وغالبا ما يتم تجاهله في الجهاز المناعي، وهو قدرته على التأثير على سلوكنا.
ويمكن أن تؤثر استجابة الجهاز المناعي للعدوى والالتهابات بشكل عميق على مزاجنا وإدراكنا وتفاعلاتنا الاجتماعية. وأثار هذا الارتباط بين المناعة والسلوك مجالا متزايدا للدراسة، حيث قدم رؤى جديدة حول التفاعل المعقد بين الرفاهية الجسدية والعقلية.
وكشفت الأبحاث الحديثة التي أجرتها جامعة ييل، والتي نُشرت في مجلة Nature، أن الجهاز المناعي يلعب دورا حيويا في تشكيل سلوكياتنا. وفهم العلماء دور الجهاز المناعي في ردود أفعالنا تجاه مسببات الحساسية ومسببات الأمراض، إلا أنه لم يكن واضحا ما إذا لعب أي دور في تحفيز هذه الأنواع من السلوكيات تجاه مسببات الحساسية.
ويوضح هذا البحث أن الجهاز المناعي يحفز سلوكيات التجنب تجاه مسببات الحساسية والتسمم الغذائي. على سبيل المثال، يمكن أن يعاني المصابون بالحساسية من المأكولات البحرية من مرض شديد بسبب رائحة المأكولات البحرية فقط، ما يؤدي بهم إلى تجنبها.
ويسلط البحث الضوء على العلاقة المهمة بين نظام المناعة لدينا والتغيرات السلوكية استجابة لمحفزات معينة.
وقال رسلان ميدجيتوف، أستاذ علم الأحياء المناعي في كلية الطب بجامعة ييل، والباحث في معهد هوارد هيوز الطبي، وكبير مؤلفي الورقة البحثية: "لقد وجدنا سلوكا يتحكم في التعرف على المناعة، وتحديدا السلوكيات الدفاعية ضد السموم التي يتم توصيلها أولا من خلال الأجسام المضادة ثم إلى أدمغتنا".
وأظهر البحث أنه من دون الاتصال داخل الجهاز المناعي، لا يحذر الدماغ الجسم من الأخطار المحتملة في البيئة ولا يحاول بدء الاستجابة لتجنب تلك التهديدات.
وفحص فريق في مختبر ميدجيتوف، بقيادة إستر فلورشيم، باحثة ما بعد الدكتوراه في جامعة ييل وأستاذة مساعدة في جامعة ولاية أريزونا، إلى جانب ناثانيال باشتيل، طالب دراسات عليا في كلية الطب، مجموعة فئران لديها ردود فعل تحسسية تجاه بروتين موجود في بيض الدجاج يسمى زُلال البيض (ألبومين البيض أو آح البيض).
وكما هو متوقع، أظهرت هذه الفئران نفورا قويا من زلال البيض المحتوي على الماء، بينما كانت مجموعة الفئران الضابطة تميل إلى تفضيل مصادر المياه التي تغلب عليها الزلال. ووجدوا أن النفور من مصادر المياه المليئة بالزلال في الفئران الحساسة استمر لأشهر.
ثم قام الفريق بفحص ما إذا كان بإمكانهم تغيير سلوك الفئران الحساسة من خلال التلاعب بمتغيرات الجهاز المناعي. ووجدوا، على سبيل المثال، أن الفئران التي تعاني من حساسية تجاه زلال البيض فقدت سلوك النفور من البروتين الموجود في مياهها إذا تم حظر الأجسام المضادة للغلوبيولين المناعي E (IgE)، التي ينتجها الجهاز المناعي.
وتؤدي الأجسام المضادة IgE إلى إطلاق الخلايا البدينة، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء التي تلعب، جنبا إلى جنب مع بروتينات الجهاز المناعي الأخرى، دورا مهما في التواصل مع مناطق الدماغ التي تتحكم في سلوك النفور.
ومن خلال قطع مسار الاتصال هذا، لم تعد الفئران تتجنب مسببات الحساسية.
وقال ميدجيتوف إن النتائج توضح كيف تطور جهاز المناعة لمساعدة الحيوانات على تجنب المنافذ البيئية الخطرة. وأضاف أن فهم كيفية حفظ الجهاز المناعي للمخاطر المحتملة يمكن أن يساعد يوما ما في قمع ردود الفعل المفرطة للعديد من مسببات الحساسية ومسببات الأمراض الأخرى.
المصدر: ميديكال إكسبريس