وظل سبب متانة هياكل البانثيون المصنوعة من الخرسانة الرومانية أمرا غامضا، وأخيرا ربما اكتشف الباحثون سر طرق البناء القديمة - وكل ذلك يتعلق بقطع صغيرة من الجير التي تتمتع بقدرات "الإصلاح الذاتي".
وتأسس البانثيون (معبد كل الآلهة) عام 27 قبل الميلاد من قبل ماركوس فيبسانيوس أغريبا. وأعاد الإمبراطور هادريان بناؤه بين 120 و124 بعد الميلاد، بعد حرائق عام 80 و110 م التي أضرت بالبناء السابق لعصر أوغسطس.
وكشف التحليل الدقيق للخرسانة الرومانية عن قطع معدنية صغيرة بيضاء لامعة تسمى "الكلس الصخري".
وفي البداية، كان يُعتقد أن هذه كانت موجودة نتيجة ممارسات الخلط غير المتقنة، أو استخدام مواد خام رديئة الجودة.
وقال أدمير ماسيك، مهندس بيئي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إنه على الرغم من إشارة المؤلف والفيلسوف الروماني بليني الأكبر، إلى أن الخرسانة يمكن أن تصبح أقوى مع تقدم العمر، فمن غير المرجح أن يكون الرومان على دراية بالكيمياء المستخدمة - أو المدة التي ستستغرقها المادة.
وقال ماسيك: "لقد علموا أن هذه مادة رائعة، لكنهم على الأرجح لم يعرفوا أنها ستستمر لآلاف السنين".
وتم إنتاج الخرسانة الرومانية باستخدام كتل من الصخور البركانية وغيرها من الركام المتماسك مع ملاط مصنوع من مكونات تشمل البوزولان (مثل الرماد البركاني) ومصدر الجير (أكسيد الكالسيوم) والماء.
واستخدم الفريق، الذي شمل أيضا باحثين من جامعة هارفارد ومختبرات في إيطاليا وسويسرا، صورا عالية الدقة ورسم خرائط كيميائية لفحص طبقات الجير عن كثب.
واكتشفوا أن الجير قد يساعد في الواقع الخرسانة على "التئام'' نفسها عندما تتشقق أو تنكسر.
وأثناء عملية الخلط الساخنة اللازمة لصنع الخرسانة، تصبح فتحات الجير هشة، ما يخلق مصدرا يسهل الوصول إليه من الكالسيوم لبقية الخرسانة.
وهذا يعني أنه عندما تتشكل شقوق صغيرة في الخرسانة، تتفاعل الكتل الجيرية مع الماء وتنتج محلولا مشبعا بالكالسيوم، والذي يمكنه إعادة التبلور وملء الشق بسرعة.
ولإثبات أن هذه كانت بالفعل الآلية المسؤولة عن متانة الخرسانة الرومانية، أنتج الفريق عينات من الخرسانة المختلطة على الساخن، التي تضم تركيبات قديمة وتسببوا في تصدعها عن عمد، ثم مرروا الماء عبر الشقوق.
وفي غضون أسبوعين، التئمت الشقوق تماما ولم يعد بإمكان الماء التدفق. بينما القطعة المتطابقة من الخرسانة المصنوعة دون الجير لم تلتئم أبدا، وظل الماء يتدفق عبر العينة.
ونتيجة لهذه الاختبارات الناجحة، يعمل الفريق على تسويق مادة الأسمنت المعدلة.
وتم نشر النتائج التي توصلوا إليها في مجلة Science Advances.
المصدر: ديلي ميل