من ارتفاع مهول.. قفزة غيّرت التاريخ ومسمارٌ غيّر المصير
كانا رفيقي سلاح، ضابطَين متمرسَين في اختبار المظلات. كلّفا عام 1962 بمهمة خطرة تتمثل في القفز من ارتفاع يزيد عن 25 كيلومترا. نفذا المهمة، ودخلا التاريخ، وإن اختلفت المصير.
بدأت فصول هذه المغامرة الاستثنائية في خريف عام 1962، حين قرر كبير مصممي البرنامج الفضائي السوفيتي، سيرغي كوروليوف، إجراء تجربة طموحة تهدف إلى اختبار سيناريو إنقاذ رائد فضاء أثناء هبوط طارئ، عبر القفز بالمظلة من طبقة الستراتوسفير.
أُطلِق على هذا المشروع السري اسم "زفيزدا"، وتضمّنت خطة العمل إطلاق منطاد خاص من موقع الاختبار في مدينة فولسك، والصعود به إلى طبقة الستراتوسفير على ارتفاع يتراوح بين 25 و30 كيلومترا، ثم تنفيذ قفزة مظلية من ذلك الارتفاع الشاهق.
وقع الاختيار للمهمة على مظليَين خبيرَين، هما الرائد يفغيني أندرييف والعقيد الطيار بيوتر دولغوف. أُجريت تعديلات على السلة أو كابينة المنطاد لمحاكاة مقصورة مركبة "فوستوك" الفضائية.
تقرر أن يقفز أندرييف من ارتفاع 25 كيلومترا مرتديا بدلة مضادة للجاذبية، شبيهة بتلك التي يرتديها طيارو المقاتلات. وكان التحدي أن يهوي في سقوط حر شبه كامل حتى تنفتح المظلة تلقائيا على ارتفاع كيلومتر واحد فقط فوق سطح الأرض.
أما ضابط اختبار المظلات الثاني، دولغوف، فكانت مهمته الصعود بالمنطاد إلى ارتفاع أعلى لاختبار نظام مظلته الخاصة، وكان يرتدي بدلة طيران مضغوطة مجهزة بقناع أكسجين.
في صباح الأول من نوفمبر 1962، بدأت الاستعدادات النهائية للرحلة. جرى إمداد رئتي المظليين بالأكسجين النقي، وتنقية دمائهما من النيتروجين لتجنب تعرّضهما لحالة "غليان الدم" بسبب التغيرات المفاجئة في الضغط الجوي.
ارتفع منطاد الستراتوسفير إلى الأعلى، وبعد ثلاث ساعات ونصف بلغ ارتفاع 25.5 كيلومترا. قذف يفغيني أندرييف بغطاء الكبسولة، ولوّح لرفيقه دولغوف تحية الوداع. ثم قفز من الكابينة متخذاً وضعية الظهر إلى الأرض لتقليل فقدان الحرارة.
واجه أندرييف بعض الصعوبات أثناء الهبوط، لكنه تمكّن من تثبيت وضعية جسمه أثناء الطيران. وعلى بعد كيلومتر واحد من الأرض بالضبط، شُغّل النظام الآلي وانفتحت المظلة. بعد لحظات، هبط أندرييف بسلام إلى الأرض. سجلت أجهزة الاستشعار أنه ظل في سقوط حر لمدة أربع دقائق وثلاثين ثانية. لم يسبق لأحد في العالم أن حقق إنجازاً مماثلاً.
ثم جاء دور العقيد دولغوف. غادر المنطاد من ارتفاع 28.6 كيلومترا، غير أن خوذته اصطدمت بحافة فتحة الخروج وكان بها مسمار صغير بارز. تسبب الاصطدام في حدوث ثقب في الخوذة يبلغ قطره حوالي سنتيمتر واحد. لقي الطيار المظلي المحترف حتفه نتيجة الانخفاض الحاد والمفاجئ في الضغط.
كرّمت الدولة السوفيتية العمل البطولي للرجلين في 12 ديسمبر 1962، ومنحت كلًّا من يفغيني أندرييف وبيوتر دولغوف لقب "بطل الاتحاد السوفيتي". أما دولغوف، فقد مُنح اللقب بعد وفاته، كما أُطلق اسمه على إحدى الحدائق وأحد الشوارع في موسكو.
أما صاحب الرقم القياسي، يفغيني أندرييف، فقد تقاعد برتبة عقيد. وواصل بعد ذلك القفز ثماني مرات إضافية من طبقات الجو العليا. وفي عام 1985، أصبح من أوائل من حصلوا على لقب "مظلي الاختبار المكرم للاتحاد السوفيتي". توفي عام 2000 عن عمر ناهز 73 عاماً، ودُفن في منطقة شيولكوفسكي بضواحي موسكو.
اعترف الاتحاد الدولي للملاحة الجوية بالرقم القياسي العالمي الذي سجله أندرييف، حيث بلغت مسافة السقوط الحر 24.500 مترا ومدة السقوط الحر أربع دقائق وثلاثين ثانية.
ظل هذا الرقم القياسي صامدا حتى اليوم. ففي عام 2012، قفز النمساوي فيليكس بومغارتنر من ارتفاع أعلى بـ 12,000 متر، لكن مدة سقوطه الحر تأخرت بعشر ثوانٍ عن الرقم القياسي الذي سجله المظلي السوفيتي.
في كتابه بعنوان "السماء من حولي"، كتب يفغيني أندرييف متحدثا عن تلك القفزة التاريخية: "مع الارتفاع، يتغير لون السماء. أولا تتحول إلى زرقاء باهتة، ثم إلى زرقاء مائلة إلى البنفسجي، وأخيراً إلى سوداء قاتمة. داخل الكبسولة، الجو دافئ ومريح، أما في الخارج، فبرودة قارسة. على ارتفاع 13.000 متر، أشار مقياس الحرارة إلى 65 درجة تحت الصفر، ثم ارتفعت درجة الحرارة قليلا لتستقر عند 61 درجة مئوية تحت الصفر."
المصدر: RT
إقرأ المزيد
رسالة من أول فيروس: "أنا هنا.. أمسك بي إن استطعت"!
في ذلك اليوم المصيري، العاشر من نوفمبر عام 1983، وفي قاعة محاضرات جامعية بمؤتمر أمني، لم يكن الحضور يدركون أنهم على وشك مشاهدة ولادة عصر رقمي جديد.
أبطال في الحروب.. خيول و"كلاب رحمة" وديدان متوهجة!
في كل عام، في يوم السادس من نوفمبر، يهمس صوت في ضمير الإنسانية. إنه صوت الملايين، بل المليارات، من الحيوانات والكائنات التي سقطت دون أن يكترث بمصيرها أحد.
27 ساعة من الجحيم في قصر العدل
في صباح يوم 6 نوفمبر 1985، كانت بوغوتا تستيقظ كأي يوم آخر. دبت الحياة في شوارع العاصمة الكولومبية غير عابئة بالمشاكل السياسية الثقيلة التي تراكمت حتى نذرت بالخطر.
العصا الذهبية والأرض الموعودة!
حين تلامس أشعة الشمس الأولى مياه بحيرة "تيتيكاكا" الزمردية في الخامس من نوفمبر من كل عام، تستيقظ مدينة "بونو" البيروفية على وقع دقات الطبول وألحان المزامير القديمة.
تفاصيل "مؤامرة البارود"!
كانت إنجلترا، مطلع القرن 17، تغلي تحت رماد الصراع الديني. كانت الانقسامات بين البروتستانت والكاثوليك تشقّ المجتمع، وفي خضم هذه الأجواء المشحونة، تولى جيمس الأول العرش عام 1603.
رواد مركبة "شنتشو-21" يصلون إلى المحطة المدارية الصينية (فيديو)
أعلنت هيئة الرحلات الفضائية المأهولة في الصين أن رواد مركبة "شنتشو-21" الفضائية وصلوا إلى محطة Tiangong المدارية.
رسائل للأجيال القادمة لا تُفتح إلا عام 6177!
لطالما وُضعت "كبسولات الزمن" في أساسات المباني والصروح. وقد تجددت شعبية هذه الكبسولات السحرية بشكل ملحوظ في القرن العشرين، على الرغم من أن أصولها تعود إلى زمن موغل في القدم.
ذابت الشوكولاتة فظهر فرن الميكروويف!
من اللافت أن أول فرن ميكروويف قد حمل في اسمه كلمة "رادار"، وأنتجته شركة معدات عسكرية. والمُلفت أكثر أنه كان بطول رجل، ووزنه زاد عن 300 كيلوغرام. فما قصة علاقته بالحرب؟
عندما "تعرضت" الولايات المتحدة لهجوم من المريخ!
خرجت من أجهزة الراديو الأمريكية فجأة هذه العبارة: "سيداتي سادتي، نحن نقطع برنامجنا لأسباب عاجلة"، في هذه اللحظة بدأ واحد من أكثر أيام التاريخ الإعلامي إثارة للجدل.
من كهف التاميرا الإسباني إلى ميكي ماوس والأقزام السبعة!
كيف اكتشبت الرسوم حيوية الحركة؟ من أين بدأت رحلة هذا الفن المدهش؟ وإلى أين وصلت؟ أسئلة كثيرة تدور حول عالم الرسوم المتحركة، حيث ذكريات الطفولة والصبا والكثير من الحنين.
جحيم في نفق بـ "لؤلؤة القوقاز"!
في مساء الثامن والعشرين من أكتوبر عام 1995، بينما كانت شمس الخريف تتوارى خلف أفق بحر قزوين، تحولت رحلة عادية في مترو باكو إلى كابوس لا يُنسى.
بين المجهود الحربي وسيقان النساء.. خيط غير العالم ويكاد يخنقه
قصة اختراع مادة النايلون ودخولها بسرعة إلى الحياة في مختلف المجالات مثيرة ولافتة. بدأ ذلك بإعلان شركة "دو بونت" اختراع النايلون رسميا في 27 أكتوبر 1937. هذا الخيط غير العالم.
"السبت الأسود".. رعب نووي من أقرب نقطة ممكنة!
لم يكن العالم أكثر قربا من نشوب حرب نووية كما كان عليه الحال قبل 63 عاما بالضبط. في هذا اليوم بلغ التوتر بين واشنطن وموسكو حول كوبا أقصى مداه، وكادت نيران الجحيم أن تشتعل.
التعليقات