فعندما تُدفن البكتيريا، وبالتالي تكون محمية من الإشعاع الكوني المجرّي والبروتونات الشمسية، يمكنها البقاء على قيد الحياة لفترة أطول. وهكذا، عندما تعود عينات المريخ الأولى إلى الأرض، يجب على العلماء أن يكونوا على اطلاع على البكتيريا النائمة القديمة.
وتعزز هذه النتائج احتمال أنه إذا كانت تطورت الحياة على المريخ، فقد يتم الكشف عن بقاياها البيولوجية في البعثات المستقبلية، بما في ذلك ExoMars وMars Life Explorer، والتي ستجري تدريبا على استخراج المواد من مترين تحت السطح.
ويقول العلماء إن بكتيريا تسمى "المكورة الغريبة المقاومة للإشعاع" (Deinococcus radiodurans) يمكن أن تعيش 280 مليون سنة على المريخ - ما يقارب 300 مرة أطول مما كان يُفترض سابقا - إذا تم دفنها على عمق 32 قدما تحت سطح الكوكب الأحمر.
وتُعرف "المكورة الغريبة المقاومة للإشعاع" أيضا باسم "كونان البكتيري" (نسبة إلى الفيلم: "كونان البربري")، و"البطل الخارق للعالم البكتيري"، نظرا لصلابتها التي أكسبتها لقب "أقوى بكتيريا معروفة في العالم" في موسوعة غينيس للأرقام القياسية.
ومثل بطل فيلم "كونان البربري" ذي العضلات، فإن هذه البكتيريا تقاوم هجمات الحمامات الحمضية، ودرجات الحرارة المرتفعة والمنخفضة، وحتى جرعات الإشعاع.
وبينما من المحتمل ألا تكون "المكورة الغريبة المقاومة للإشعاع" موجودة على سطح المريخ، يعتقد العلماء في جامعة نورث وسترن في إلينوي، بقيادة بريان هوفمان من وأجاي شارما، أن كائنا دقيقا مكافئا يمكن أن يوجد على الكوكب الأحمر لفترة زمنية مماثلة.
وكتب العلماء في الورقة البحثية المنشورة في مجلة Astrobiology: "مقاومة الميكروبات هي عامل رئيسي في النظر في إمكان بقاء الميكروبات على قيد الحياة على مدى العصور الجيولوجية على سطح المريخ القاحل. إذا كانت الحياة على المريخ موجودة في وقت مضى، علما أن الأشكال القابلة للحياة ليست موجودة الآن على سطح المريخ، فإنه يمكن لخلايا المكورة الغريبة المقاومة للإشعاع والقابلة للحياة أن تعيش ما يعادل 280 مليون سنة في باطن سطح المريخ المتجمد".
ومن المعروف جيدا للعلماء أن المريخ له غلاف جوي رقيق جدا يعادل نحو 0.6% من الغلاف الجوي للأرض، ما يعني أنه يتعرض باستمرار للإشعاع الكوني المجرّي المكثف والبروتونات الشمسية.
وسيكون أي إنسان على سطح المريخ غير محمي من الشمس وإشعاعاتها الضارة، ومعرضا لخطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية و"التدهور المعرفي" عموما.
وتقدر ناسا أنه خلال رحلة مدتها ستة أشهر إلى المريخ، سيتعرض رائد الفضاء لـ 300 ملي سيفرت من الإشعاع - أي ما يعادل 24 عملية مسح ضوئي باستخدام CAT.
وعلاوة على ذلك، فإن ظروف الأراضي القاحلة والمتجمدة، حيث يبلغ متوسط الحرارة -63 درجة مئوية عند خطوط العرض الوسطى، تجعل الكوكب الأحمر غير مضياف تجاه الحياة على ما يبدو.
ولاستكشاف ما إذا كانت أشكال من الحياة يمكن أن تعيش في هذه الظروف أم لا، حدد الفريق أولا حدود بقاء الإشعاع المؤين للحياة الميكروبية.
وعرّضوا 6 أنواع من البكتيريا والفطريات الأرضية محاكاةً لسطح المريخ للتجميد والتجفيف - وقاموا بتلويثها بأشعة غاما أو بالبروتونات لتقليد الإشعاع في الفضاء.
وبالإضافة إلى "المكورة الغريبة المقاومة للإشعاع"، تضمنت العينات خميرة واحدة وثلاثا من البكتيريا العصوية والإشكيرية القلوية، وهي بكتيريا توجد عادة في الأمعاء السفلية للكائنات ذوات الدم الحار.
كما قاموا بتعريض العينات لجرعات أصغر بكثير، كتلك التي يمكن أن تحدث إذا دُفن كائن حي دقيق عميقا.
ووجد الفريق أن "المكورة الغريبة المقاومة للإشعاع" نجت من كميات هائلة من الإشعاع في البيئة القاحلة المتجمدة وتجاوزت مقاومتها كثيرا مقاومة البكتيريا العصوية التي يمكنها أن تعيش على الأرض لملايين السنين.
كما وجدوا أيضا أن البقاء المذهل للبكتيريا "المكورة الغريبة المقاومة للإشعاع" يرجع جزئيا إلى تركيبها الجيني.
واكتشفوا أن الكروموسومات والبلازميدات – جزيئات الحمض النووي (DNA) المزدوجة الشريطة - مرتبط بعضها ببعض، ما يجعلها في محاذاة مثالية وجاهزة للإصلاح بعد إشعاع مكثف.
وعلى الرغم من أن "المكورة الغريبة المقاومة للإشعاع" لا يمكنها البقاء إلا لبضع ساعات على السطح أثناء تعرضها للأشعة فوق البنفسجية، إلا أن عمرها يتحسن بشكل كبير عندما تكون مظللة أو تختبئ مباشرة تحت سطح المريخ.
ويزعم العلماء أنه لئن تطور ميكروب مريخي مشابه لبكتيريا "كونان البكتيري" خلال الوقت الذي تدفقت فيه المياه آخر مرة على سطح المريخ، فمن الممكن أن تظل بقاياه الحية نائمة في باطن الأرض.
المصدر: ديلي ميل