وتظهر سلسلة من الصور الجديدة للثقب الأسود - المسمى M78 - أنه يطلق نفاثات تنتج ضوءا يمتد على كامل الطيف الكهرومغناطيسي، من موجات الراديو غير المرئية إلى الضوء المرئي، إلى أشعة غاما المشعة فائقة القوة.
وتشير هذه النتائج إلى أن لكل ثقب أسود نمطا فريدا يعتمد على شدة الضوء الذي ينتجه، ويمكن أن يساعد تحديد هذا النمط في الكشف عمّا يدفع بالضبط تيارات الجسيمات التي تنطلق من قلب M87.
ويعتقد العلماء أن مثل هذه النفاثات، أو حزم الإشعاع، يمكن أن تكون مسؤولة عن الجسيمات الكونية عالية الطاقة التي تسافر ملايين الأميال عبر الفضاء وتضرب درب التبانة. وينتهي البعض أيضا بالارتطام في الغلاف الجوي للأرض.
وأخبرت سيرا ماركوف، من جامعة أمستردام، "ناشيونال جيوغرافيك": "أحد الأسئلة الأساسية التي نحاول التحقيق فيها هو من أين تأتي الجسيمات عالية الطاقة. وكيف يتم إطلاق هذه النفاثات، وما بداخلها، وكيف يتم تسريع الأشعة الكونية عالية الطاقة - والتي يبدو أنها تأتي من نفاثات الثقب الأسود".
ويقع مركز Messier 87 (M87)، حيث يوجد الثقب الأسود الهائل، على بعد حوالي 55 مليون سنة ضوئية من الأرض.
وفي 10 أبريل 2019، كشف الفريق المسؤول عن تلسكوب Event Horizon (EHT)، عن النتائج التي توصلوا إليها من أول سلسلة من الملاحظات التي أنتجت أول صورة لثقب أسود.
وفي حين أن الثقوب السوداء غير مرئية بطبيعتها، فإن المواد شديدة الحرارة التي تدور في وسطها تشكل حلقة من الضوء حول المحيط، الذي يكشف مركز الجسم نفسه بناء على شكله الظلي.
وقال مدير EHT، شيبرد دويلمان: "رأينا ما اعتقدنا أنه غير مرئي''، وهو يقدم الحلقة البرتقالية المتوهجة في مركز Messier 87 (M87) - وأول نظرة مباشرة لنا على ثقب أسود.
وأضاف هذا الاختراق دعما كبيرا لنظرية النسبية العامة لأينشتاين، وقدم مزيدا من المعلومات للإجابة عن الأسئلة طويلة الأمد حول طبيعة الثقوب السوداء. ومن المقرر الآن أن تحتوي الصور الجديدة للثقب الأسود على هذه الإجابات.
وقال كازوهيرو هادا، من المرصد الفلكي الوطني الياباني: "كنا نعلم أن أول صورة مباشرة للثقب الأسود ستكون رائدة. ولكن لتحقيق أقصى استفادة من هذه الصورة الرائعة، نحتاج إلى معرفة كل ما يمكننا معرفته عن سلوك الثقب الأسود في ذلك الوقت، من خلال المراقبة على كامل الطيف الكهرومغناطيسي".
وهذه هي أكبر حملة مراقبة متزامنة على الإطلاق على ثقب أسود فائق الضخامة بنفاثات، وفقا لوكالة الفضاء الأمريكية.
وتضمنت تلسكوبات ناسا المعنية، مرصد تشاندرا للأشعة السينية وتلسكوب هابل الفضائي، ومرصد Neil Gehrels ومصفوفة التلسكوب الطيفي النووي (NuSTAR)، وتلسكوب فيرمي لأشعة غاما الفضائي.
وبدمج البيانات من هذه التلسكوبات من عام 2017، وملاحظات EHT الحالية، وجد العلماء أن شدة الإشعاع الكهرومغناطيسي الناتج عن المواد حول الثقب الأسود الهائل في M87، كانت الأدنى على الإطلاق.
وعلى الرغم من أن العلماء يتطلعون إلى الكشف عن سلوك الثقوب السوداء، إلا أنهم يأملون أن تكشف عن أصل الجسيمات النشطة التي تسمى الأشعة الكونية، والتي تقصف الأرض باستمرار من الفضاء الخارجي.
وتنتج النفاثات الضخمة التي تنطلق من الثقوب السوداء طاقات يمكن أن تكون أعلى بمليون مرة مما يمكن إنتاجه في أقوى مسرع على الأرض، مصادم الهادرونات الكبير. وهي تتماشى مع الطاقة التي لوحظت في الأشعة الكونية ذات الطاقة الأعلى.
ومع ذلك، لاحظ الباحثون أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل للإجابة عن عدد من الأسئلة مثل المواقع الدقيقة التي تتسارع فيها الجسيمات.
وتستبعد البيانات التي التُقطت في عام 2017، فكرة إنتاج أشعة غاما بالقرب من أفق الحدث - إذا كانت الثقوب السوداء هي المصدر الحقيقي.
وسيكون مفتاح تسوية هذا النقاش هو المقارنة بملاحظات عام 2018 والبيانات الجديدة، التي جُمعت هذا الأسبوع.
وتُظهر الصور الثقب الأسود لـ M78 من خلال مصفوفات التلسكوبات الراديوية الأخرى من جميع أنحاء العالم، والتي أجريت بالتعاون مع 19 ملاحظة، على الأرض وحولها، وعمل أكثر من 750 عالما.
ويأملون معا في فهم أفضل لكيفية تفاعل المجالات المغناطيسية والجزيئات والجاذبية والإشعاع على مقربة من الثقب الأسود.
وباستخدام عدد من التلسكوبات، تمكّن الفريق من مراقبة الثقب الأسود لـ M87 بتقنيات مختلفة.
واكتشف أحد التلسكوبات العملاق الكوني في الضوء المرئي، واكتشف ضوء فوق بنفسجي آخر، وأظهر الثقب الأسود من خلال أشعة غاما.
وسيسمح الجمع بين البيانات من هذه التلسكوبات وملاحظات EHT الحالية (والمستقبلية)، للعلماء بإجراء خطوط مهمة من التحقيق في بعض مجالات دراسة الفيزياء الفلكية الأكثر أهمية وصعوبة.
وعلى سبيل المثال، يخطط العلماء لاستخدام هذه البيانات لتحسين اختبارات نظرية أينشتاين للنسبية العامة.
وفي الوقت الحالي، تتمثل العقبات الرئيسية أمام هذه الاختبارات في عدم اليقين بشأن المواد التي تدور حول الثقب الأسود وتنفجر بعيدا في نفثات، ولا سيما الخصائص التي تحدد الضوء المنبعث.
المصدر: ديلي ميل