مذكرات من الجحيم: "مات الجميع وبقيت أنا فقط"!
دوّنت طفلة من سكان لينينغراد اسمها تانيا آخر ملاحظة في دفتر صغير قائلة: "ماتت أمي في 13 مايو 1942 الساعة 7:30 صباحا.. ماتت عائلة سافيتشيف.. مات الجميع.. لم يتبق سوى تانيا".
مذكرات الطفلة تانيا سافيتشيفا البالغة من العمر 11 عاما، أصبحت واحدة من الشهادات المؤلمة لما عاناه سكان مدينة لينينغراد أثناء حصار قوات ألمانيا النازية الوحشي للمدينة الذي استمر 872 يوما.
في دفتر ملاحظات صغير كتبت تانيا في تسع مناسبات بخط طفولي وبعبارات قصيرة بيانات عن وفاة أفراد أسرتها جراء ذلك الحصار الذي يعد الأقسى في التاريخ. حصار حول لينينغراد إلى مدينة للموت بالجوع والعطش وبشظايا القصف الجوي والمدفعي والرصاص المتطاير.
هذا الدفتر الصغير المحفوظ حاليا في متحف مدينة سان بطرسبورغ التاريخي، كان بين وثائق لائحة الاتهام في محاكمات نورنبيرغ لقادة النازيين الألمان في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
الطفلة تانيا كانت انتقلت مع أسرتها الكبيرة المكونة من والدتها ماريا إغناتيفنا وعدة أشقاء وشقيقات للعيش في منزل الجدة إيفدوكيا غريغوريفنا بجزيرة فاسيليفسكي الواقعة على دلتا نهر نيفا بمدينة لينينغراد، وكان يعيش معهم أيضا العمان فاسيا وليوشا.
العائلة احتفلت بعيد ميلاد الجدة في 22 يونيو 1941، وفي الساعة 12:00 سمعوا من الراديو بأن الحرب بدأت وأن جيوش ألمانيا النازية غزت الاتحاد السوفيتي. تانيا اجتازت حينها الصف المدرسي الثالث.
أثناء محاولة النازيين احتلال لينينغراد بفرض حصار رهيب عليها، شاركت العائلة بأكملها في الدفاع عن المدينة. الأخت الكبرى نينا عملت في حفر الخنادق، وتبرعت الأخت الثانية زينيا بالدم للجرحى، وخاطت الأم الزي العسكري للمقاتلين فيما مضى الشقيق ليونيد مع العمين لوشا وفاسيا إلى مكتب التجنيد العسكري للانضمام للجيش، إلا انهم لم يُقبلوا بسبب ضعف بصر لونيد وكبر سن العمين.
الطفلة تانيا هي الأخرى اسهمت في الدفاع عن لينينغراد. شاركت مع أطفال المدينة في إطفاء الحرائق وحفر الخنادق رغم صغر سنها. في ذلك الوقت كان الحصار يشتد يوما بعد آخر والدائرة تضيق على المدينة، وكان زعيم النازيين أدولف هتلر يتوهم أن قواته ستدخل المدينة بالقوة الغاشمة وبسلاح الجوع الفتاك.
ذات يوم في ذلك الشتاء الرهيب، تعرضت المدينة على قصف مدفعي وحشي ولم تعد الشقيقة نينا إلى منزلها. مرت أيام واعتقد الجميع أنها فُقدت إلى الأبد. حينها أعطت الام تانيا دفتر ملاحظات شقيقتها الغائبة، وبدأت الطفلة في تدوين الأحداث المريرة في حياة عائلتها.
توفيت الشقيقة زينيا من المرض في أحضان ولدتها. كتبت تانيا بقلم الرصاص في دفتر الملاحظات لأول مرة: "توفيت زينيا في 28 ديسمبر الساعة 12: 00 صباحا 1941".
بعد عدة أسابيع، وفيما كانت لينينغراد تمر بأحلك أوقاتها وتموت من الجوع والقصف وتتغطى بالثلوج، سجلت تانيا آخر الأحداث وذكرت أن "الجدة توفيت في 25 يناير الساعة 3 مساء 1942".
طلبت الجدة إيفدوكيا غريغوريفنا قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة إلا تدفن على الفور حتى يتمكن أفراد عائلتها من استخدام بطاقتها التموينية الخاصة للحصول على الغذاء حتى نهاية الشهر، ولاحقا دفت في مقبرة جماعية.
بعد ذلك، توفى في شهر مارس الشقيق ليونيد، وكان الجميع يناديه بلقب ليكا من الإرهاق بعد أن عمل لنوبتين متتاليتين في مصنع عسكري. كتبت تانيا بيد مرتعشة في دفترها: "توفى ليكا في 17 مارس الساعة 5 صباحا 1942".
بعد فترة وجيزة، توفى العم فاسيلي من الجوع والإرهاق عن عمر ناهز 56 عاما، وكتبت تانيا في الدفتر: "توفي العم فاسيا في 13 أبريل، 2 مساء 1942".
تكالبت الأمراض على العم ليوشا وبدأ جسمه في الضمور. قال له الطبيب في آخر زيارة بصوت يقطر حزنا وألما: لا يوجد ما يساعد". بعد يومين ظهرت عبارة جديدة في دفتر مذكرات الطفلة تانيا تقول: "العم ليوشا في 10 مايو الساعة 4 مساء 1942".
ماريا إغناتيفنا، والدة تانيا التي عملت طوال وقت الحصار في خياطة الزي العسكري، وكانت سندا للجميع، لم يستطع قلبها التحمل أكثر، وتوقف عن النبض في شهر مايو. لف الجيران جسدها ببطانية وحُملت الجثة على عربة متهالكة إلى المقبرة.
تانيا لم تستطع وقتها وداع والدتها قبل أن يواريها التراب. كانت طريحة الفراش من المرض والجوع. استجمعت قوتها وكتبت في دفترها الصغير آخر الأنباء المفجعة: "أمي في 13 مايو الساعة 7.30 صباحا في صباح عام 1942".
في مساء نفس اليوم ظهرت عبارة رهيبة ثانية هي الأخيرة في هذا الدفتر ورد فيها: "ماتت عائلة سافيتشيف، مات الجميع.. تانيا هي الوحيدة المتبقية".
خلال فترة حصار لينينغراد تم إجلاء 430000 طفل من المدينة، وجاء الدور على تانيا بعد أن فقدت جميع أفراد عائلتها. نقلت مع 125 طفلا آخر في يوليو 1942 إلى دار للأيتام بمنطقة آمنة. كانت ضعيفة ومريضة بالسل ولا تقوى على الحركة بسهولة حتى أنها لم تحمل معها دفتر مذكراتها الصغير.
فارقت الطفلة تانيا الحياة في 1 يوليو 1944 ولم تتجاوز وقتها من العمر 14 عاما، فيما بقي دفترها الصغير شاهدا على واحدة من أفظع الجرائم في التاريخ.
قالت ممرضة اسمها آنا ميخائيلوفنا زوركينا، كانت وقفت إلى جانبها أثناء مرضها، ثم اعتنت بقبرها حتى نهاية أيامها، إن "المرض مزقها بين يدي.. لا أستطيع تذكرها من دون أن تتساقط الدموع من عيني".
المصدر: RT
إقرأ المزيد
"دقائق في العالم الآخر".. شهادة مفصلة لـ"عائدة" من الموت!
يروي العديد من العائدين من الموت السريري أحداثا متشابهة عن أحاسيسهم في هذه التجربة الفريدة مثل مشاهدتهم لأجسامهم على طاولة العمليات، وضوء في آخر نفق.
قبيلة لا ينام أفرادها إلا ساعتين!
يتشابه البشر رغم تعدد وتنوع الثقافات، الجميع مثلا يحن ويتذكر الماضي ويتوق إلى المستقبل، إلا أن بعض القبائل التي بقيت منعزلة اكتسبت طريقة تفكير مختلفة، إحداها لا تعرف إلا الحاضر.
سر "الوثيقة الصينية" في البعثة الروسية الأولى!
انطلقت أول بعثة روسية إلى الصين في 16 مايو عام 1619، البعثة كانت مهمتها التعرف على هذا البلد وربط الصلات معه، وكان على رأسها، إيفان بيتلين، وهو مستكشف ودبلوماسي يتحدث عدة لغات.
وصفة "الزبادي" السحرية للعيش 130 عاما!
دخل إيليا ميتشنيكوف، عالم الأحياء والمناعة الروسي "1845- 1916"، التاريخ بالعديد من الإنجازات منها تأسيسه لعلم الشيخوخة واكتشافه الرائد لطريقة عمل المناعة في الأجسام الحية.
قصة اغتيال "المصلح الخائن"!
أسهم بنشاط في تحويل بلاده من دولة اقطاعية إلى دولة حديثة وحقق حلمه وأصبح في نفس الوقت الشخصية الأولى المتنفذة، إلا أن سياساته أثارت حفيظة الكثيرين فانتهت حياته بحد السيف.
اغتيلت حماتها ثم زوجها وحرمت بعد ذلك من حكم الهند
بعد فوز حزب المؤتمر الذي تترأسه في الانتخابات في 13 مايو 2004 اختيرت سونيا غاندي لرئاسة وزراء الهند، إلا أنها وجدت نفسها مضطرة بعد 5 أيام إلى التخلي عن حكم هذا البلد.
طيار ينقذ قائده وينتشله من أرض المعركة..
شهدت المعارك الضارية التي جرت بين القوات السوفيتية واليابانية حول نهر "خالخين غول" بين 11 مايو إلى 31 أغسطس 1939 حادثة بطولية أنقذ خلالها أحد الطيارين قائده في عملية غير مسبوقة.
رفعوا أيديهم ولوحوا بخرق بيضاء!
بدأت وحدات من القوات السوفيتية في 30 أبريل 1945 عملية كبرى لاقتحام مبنى "الرايخستاغ"، برلمان ألمانيا النازية، خلال آخر العمليات للسيطرة على برلين.
"هام بشكل خاص وسري للغاية".. رسالة من رئيس الـ"كي بي جي" إلى بريجنيف بشأن هتلر
بعث رئيس "كي جي بي" يوري أندروبوف في 13 مارس 1970 إلى الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف مذكرة حملت عبارة "هام بشكل خاص وسري للغاية"، اقترح فيها تدمير رفات أدولف هتلر وجوزيف غوبلز.
من ملفات الحرب البادرة: إسقاط طائرة أمريكية في ميدان تدريب سوفيتي..
شهدت حقبة الحرب الباردة عدة أحداث خطيرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إلا أن الطرفين تمكنا من تسويتها وتلافي مضاعفاتها، أحدها جرى في 10 مارس 1964.
خطاب تشرشل الشهير ورد ستالين!
ألقى ونستون تشرشل في 5 مارس 1946 في كلية وستمنستر في مدينة فولتون بولاية ميزوري الأمريكية، خطابا شهيرا دخل التاريخ باعتباره بداية الحرب الباردة.
التعليقات