بدأت العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا في 21 يوليو 1944. وبعد عامين، أي في عام 1946، كان الاتحاد السوفيتي من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال سوريا.
عبر عقود من التعاون المثمر، تم إنجاز عمل كبير، يهدف إلى تطوير الاقتصاد السوري. وبفضل المشاركة الفعالة للاتحاد السوفيتي، جرى بناء أكثر من 80 منشأة صناعية كبيرة في سوريا (مثل المصانع والشركات ومحطات الكهرباء والسدود)، ومد حوالي 2 ألف كيلومتر من السكك الحديدية و3.7 ألف كيلومتر من خطوط نقل الكهرباء. كل هذا أسهم في جعل سوريا واحدة من الدول الرائدة في النمو الاقتصادي والصناعي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
يُعتبر 30 سبتمبر 2015 من التواريخ المهمة في العلاقات الروسية السورية الحديثة. ففي ذلك الوقت، واستجابة لطلب الرئيس السوري بشار الأسد، قررت القيادة الروسية تقديم المساعدة لسوريا في مكافحة الإرهاب الدولي. وبفضل التنسيق العسكري المتناغم، نجحنا في كسر شوكة هذا الشر والحفاظ على الدولة السورية نفسها. ومع ذلك، لم تنتهِ هذه المهمة بعد. حيث لا تزال هناك مناطق "رمادية" خارج سيطرة السلطات، وما زال المجرمون يتواجدون بحرية. لذا، ولإنجاز استعادة السيادة الكاملة للحكومة السورية على كامل أراضي البلاد، هناك الكثير الذي يجب القيام به.
بطبيعة الحال، لم تستطع روسيا الاتحادية البقاء مكتوفة الأيدي عند وقوع الزلزال المدمر في شمال غرب سوريا في 6 فبراير 2023، والذي أودى بحياة الآلاف، وترك عشرات الآلاف بلا مأوى. ومنذ الأيام الأولى، عمل موظفو وزارتي الدفاع والطوارئ الروسيتين في منطقة الكارثة. وتم إنشاء مستشفيات ميدانية وتوزيع مساعدات إنسانية، شملت الضروريات الأساسية. وما زالت المساعدات تُقدَّم للمحتاجين حتى الآن.
من الملاحظ أن العلاقات التجارية والاقتصادية لم تتوقف، حتى خلال سنوات الأزمة. فالشركات الوطنية، ورغم المخاطر الجسيمة الناجمة عن العقوبات، وأيضا عن التهديدات التي تواجه حياة موظفيها، استمرت في تنفيذ مشاريع كبيرة بمجال الاقتصاد والبنى التحتية في سوريا، تهدف إلى دعم عودتها لحياة سلمية ومستقرة اقتصاديا.
وفي أكتوبر 2023 تم توقيع اتفاق لتوسيع التعاون التجاري والاقتصادي بين بلدينا، ما أعطى هذا العمل دعما إضافيا، إذ يمنح هذا الاتفاق الكيانات الاقتصادية الروسية الحق في تنفيذ عشرات المشاريع على الأراضي السورية، بالتعاون مع الشركاء السوريين. ومن بين هذه المشاريع، على سبيل المثال لا الحصر، إنشاء مطحنة في تل كلخ بمحافظة حمص، بطاقة إنتاجية تصل إلى 600 طن من الدقيق يوميا، ونظام تزويد مدينة اللاذقية بمياه الشرب.
هناك جانب مهم آخر من التعاون الثنائي بين روسيا وسوريا هو تطوير الروابط الثقافية والإنسانية. ففي العهد السوفيتي تلقى أكثر من 35 ألف سوري تعليمهم في الجامعات السوفيتية. وبعد عودتهم إلى وطنهم ساهموا بفاعلية في تعزيز مؤسسات المجتمع وتطوير الاقتصاد، وتنفيذ المشاريع التكنولوجية المهمة. وتحرص روسيا على المحافظة على هذا التقليد، وخلال السنوات القليلة الماضية ازداد عدد المنح الدراسية للمواطنين السوريين في الجامعات الروسية. حيث يصل عددها حاليا إلى ألف منحة سنويا، وهو عدد يتجاوز ما تمنحه معظم جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفيتي.
يتقدم التعاون الروسي السوري بخطى ثابتة في مجال دراسة وحفظ وإعادة ترميم التراث الثقافي والتاريخي السوري، بما في ذلك المعالم التاريخية المتضررة من الأعمال القتالية. والاتجاه الرئيسي لهذا التعاون هو المشاركة الروسية في مشروع ترميم قوس النصر في تدمر. وقد نال هذا المشروع تقييماً عالياً من المجتمع العلمي السوري والعالمي، بما في ذلك منظمة اليونسكو، وهو إنجاز كبير لعلمائنا في ظل الوضع السياسي الحالي.
تتم أيضا مواصلة ترميم مسجد الأمويين في حلب، ومسجد خالد بن الوليد في حمص، وهما من أبرز المعالم الثقافية والتاريخية في سوريا. وإضافة إلى ذلك، جرى ترميم كنيسة القديس جاورجيوس في عربين، وكنيسة رقاد السيدة العذراء في الزبداني، وذلك بتمويل روسي وبمساعدة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
يتزايد اهتمام السوريين باللغة الروسية، حيث تم إدراجها عام 2014 ضمن البرنامج التعليمي العام للجمهورية العربية السورية كلغة أجنبية ثانية، وفي العام نفسه، بدأت قسم اللغة الروسية عمله في كلية الآداب بجامعة دمشق. وفي عام 2019، وبجهود وزارتي التربية في روسيا وسوريا، افتُتح في دمشق مركز للتعليم المفتوح باللغة الروسية، تعقد فيه دورات تدريبية وندوات لمعلمي المدارس.
على مدى عشر سنوات، ازداد عدد من تعلموا اللغة الروسية بما يقارب 20 ضعفا، من 2,500 إلى أكثر من 40,000 شخص. وتدرس اللغة الروسية الآن في حوالي 240 مؤسسة تعليمية عامة.
يعد بيت الثقافة الروسية في دمشق (المركز الروسي للعلوم والثقافة) وجهة جاذبة، ليس فقط للمغتربين الروس من جميع الأعمار، بل للسوريين المهتمين بالثقافة الروسية أيضا. وفي مايو 2023، استأنف المركز عمله بعد إجراء تحديثات على المبنى الذي افتتح لأول مرة عام 1957.
بطبيعة الحال، تتطلب العلاقات الثنائية المتنامية تنسيقا وثيقا، وحوارا على أعلى المستويات السياسية، لهذا نجد التواصل مستمرا بين قيادات البلدين. ففي مارس 2023، كان الرئيس بشار الأسد في زيارة رسمية لروسيا، أجرى خلالها مباحثات تفصيلية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي 23 مارس من العام الجاري، ناقش زعيما البلدين، عبر الهاتف، القضايا الملحة للتعاون المشترك. كما أن التعاون الوثيق مستمر أيضا على مستوى وزارتي الخارجية.
يمكننا القول بثقة إن التعاون الروسي - السوري ارتقى اليوم إلى مستوى جديد من الشراكة الاستراتيجية الشاملة، حيث تتبنى روسيا والجمهورية العربية السورية مواقف متطابقة أو متقاربة حيال معظم القضايا الدولية والإقليمية. ويتم التنسيق بشكل وثيق في المحافل متعددة الأطراف، حيث تواجه روسيا حملات التشويه نفسها التي تعرضت لها سوريا طوال سنوات الأزمة. ونحن نثمن العلاقات الخاصة بين بلدينا ونبذل جهودا حثيثة لتعزيزها وتطويرها.
وقد تأكدت هذه الروح مجددا في رسائل التهنئة التي تبادلها رئيسا البلدين، ورؤساء الجهات الخارجية بمناسبة الذكرى السنوية للعلاقات الدبلوماسية بين روسيا وسوريا.