وتلعب روسيا إلى جانب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة والهند والصين وكوريا الجنوبية واليابان، دورا هاما في تطوير المفاعل "إيتير" ITER.
وتعد مرحلة تجميع وتركيب مفاعل الاندماج النووي المسمى بـ"توكاماك" أحد أهم الأحداث الذي يشهده المجتمع العلمي الدولي.
وقد صمم مفاعل "إيتير" وهو أكبر مشروع تجريبي في مجال فيزياء البلازما الممغنطة في العالم، لمحاكاة عملية توليد الطاقة النووية الحرارية التي تنتج في قلب الشمس، على كوكبنا.
ومن المتوقع أن يوفر "إيتير" للبشرية مصدرا موثوقا وفعالا للطاقة على مدى ملايين السنين.
ويعتمد المفاعل في عمله على مبدأ الاندماج النووي ويحتاج إلى ماء البحر والليثيوم كمواد وقود خام.
وفي هذه المناسبة، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "عندما توظف الولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان وأوروبا والهند وكوريا جهود علمائها وخبراتها لصالح قضية مشتركة، فهذا خير دليل على أن ما يجمع الناس والأمم أقوى مما يفرقهم".
وفي إطار الحفل أيضا ألقى المدير العام لمشروع "إيتير"، برنارد بيغو، كلمة، وأخذ الحضور في جولة افتراضية في موقع المفاعل، كما تحدث في المناسبة مسؤولون آخرون من ممثلي الحكومات والدول المشاركة في المشروع.
من جانبه، تلا المدير العام لشركة "روساتوم" الحكومية الروسية للطاقة النووية، أليكسي ليخاتشيوف، رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المشاركين، جاء فيها: "إيتير الذي أصبح أكبر مشروع علمي تقني دولي في التاريخ، يشكل مثالا حيا على التعاون الفعال المفيد للجميع بين أطراف متعددة. كما تعلمون، روسيا هي إحدى الدول المؤسسة لهذه المبادرة التي من شأنها الإسهام في ضمان أمن الطاقة للبشرية، وكذلك تلعب بلادنا دورا نشطا في ترجمتها على أرض الواقع. يعتمد مشروع إيتير بالأساس على مفهوم مجمع توكاماك الذي جرى ابتكاره وتطويره في بلدنا. واليوم يدخل مشروع إيتير مرحلة حاسمة في طريق تحقيقه. ورغم القيود المتبعة بسبب جائحة كورونا، تمكنا من الحفاظ على استمرارية وتيرة العمل دون انقطاع، ما يبعث الأمل في أن يحقق المشروع أهدافه في الموعد المحدد، حتى نحصل في المستقبل المنظور على مصدر للطاقة فريد من نوعه من حيث القوة والسلامة، سيساعد تشغيله بلا شك في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية المستدامة وتحسين نوعية حياة ملايين الناس. أود أن أتقدم بخالص الشكر لكل من يعمل في المشروع طوال سنوات عديدة".
وأشار أليكسي ليخاتشيوف إلى أن بدء تجميع المفاعل يمثل حدثا هاما بالنسبة للعلماء المتخصصين بالانصهار النووي وللمجتمع العلمي العالمي بأكمله، وأضاف: "من المهم الإشارة إلى أنه رغم القيود المفروضة بسبب وباء فيروس كورونا، فإن أعمال التجميع والتركيب تبدأ في موعدها المقرر. والآن تكمن المهمة الرئيسية لنا جميعا في ضمان الانتهاء من التركيب والتجميع وفقا للجدول والحصول على أول دفعة من البلازما قبل نهاية عام 2025، ما سيتيح لنا الإثبات عمليا أن أداء جميع المشاركين في المشروع يتسم بالاتساق، إضافة إلى إظهار فعالية تعاوننا الدولي في نهاية الأمر".
وأكد ليخاتشيوف أن مشروع "إيتير" يعتبر مثالا بارزا على التعاون العلمي والتكنولوجي، مشددا على أن روسيا تفي بالتزاماتها في إطار المشروع بمساهمات عينية ومالية بما يتفق بشكل تام ودقيق مع الجدول الزمني.
وأضاف: " لروسيا فضل كبير في بدء تجميع المفاعل في الوقت المحدد علما أن الجانب الروسي صنع القضبان العلوية لحجرة التفريغ وقضبان توصيل الطاقة الكهربائية في الوقت المناسب وأوصلها إلى الشركاء ولموقع المفاعل".
بدوره قال الدكتور فيكتور إلغيسونيس، عضو المجلس الدولي لمشروع "إيتير" ومدير قسم البحث العلمي والتقني والتطوير في "روساتوم": "منذ انطلاقه عام 2007 أصبح إيتير أكبر مشروع علمي في التاريخ سواء من حيث التعقيد والتكلفة والأهمية المفترضة للبشرية.. استنادا إلى نتائجه سنستطيع الحكم حول ما إذا كان الحلم النووي الحراري بمصدر طاقة آمن لا ينضب سيصبح واقعا في القرن الحادي والعشرين".
ملاحظات حول المشروع
"إيتير" مفاعل نووي حراري تجريبي دولي يعتمد على مفهوم "توكاماك"، وهو جهاز تم تصميمه في الاتحاد السوفيتي ويستخدم مجالا مغناطيسيا لجذب البلازما الساخنة إلى الطارة (دائرة دوارة ثلاثية الأبعاد). ويسعى هذا المشروع العلمي الضخم الطموح الذي يعد أحد أبرز الأمثلة على التعاون الدولي في تطوير الطاقة النووية، إلى إثبات أن التحكم بانصهار الذرات على نطاق صناعي أمر ممكن. وتتعاون ضمن المشروع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة والهند والصين وكوريا الجنوبية واليابان.
وكان أول من طرح فكرة بناء مفاعل اندماج دولي هو رئيس الاتحاد السوفيتي الأخير، ميخائيل غورباتشوف، عام 1985، ولقيت الفكرة دعما نشطا من قبل الرئيسين الأسبقين، الأمريكي رونالد ريغان، والفرنسي فرانسوا ميتران.
وتتولى روسيا بصفتها البادئ بتوحيد الجهود الدولية لإنشاء مفاعل "إيتير"، أحد المراكز الرئيسية في المشروع، مقدمة إسهاما أساسيا فيه. وتم تعيين شركة "روساتوم" مؤسسة مسؤولة عن الوفاء بالتزامات الجانب الروسي ضمن المشروع، فيما يقوم "مركز إيتير للتصميم" التابع لـ"روساتوم" بتنسيق جميع الأنشطة في إطاره.
وتساهم روسيا في مشروع "إيتير" على عدة أصعدة، بينها:
• ضمان توفير التمويل لميزانية المشروع،
• تصنيع وتوريد 25 وحدة من المعدات المطورة عالية التعقيد،
• توفير الكوادر الروسية لاستكمال المشروع.
ويساعد تنفيذ الطلبات ضمن مشروع "إيتير" في دعم نشاط فرق علمية وهندسية من مختلف المؤسسات الروسية المشاركة في العمل، ويوسع نطاق التعاون مع المؤسسات والمنظمات الأخرى، فضلا عن أن مشاركة روسيا تتيح تدريب مختصين مؤهلين في عدد من الجامعات الوطنية منها معهد موسكو لهندسة الفيزياء MEPhI، ومعهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا MIPT، وجامعة موسكو الحكومية MSU، وجامعة نوفوسيبيرسك الحكومية NSU، وجامعة بطرسبرغ الحكومية SPbU وغيرها.
شركة "روساتوم"
"روساتوم" هي الشركة الوحيدة في العالم التي تتوفر لديها كافة الموارد والكفاءات اللازمة لتقديم حلول ناجعة عبر سلسلة الإمداد لإنتاج الطاقة النووية. وتمتلك الشركة مجموعة واسعة من الأصول، بما فيها الأصول في تصميم وبناء وتشغيل محطات للطاقة النووية، وتعدين وتحويل وتخصيب اليورانيوم، وتوريد الوقود النووي وإخراجه من الخدمة وتخزين الوقود المستهلك ونقله والتخلص الآمن من النفايات النووية.
وتشارك "روساتوم" أيضا في تصنيع المعدات ومنتجات النظائر المشعة لتلبية احتياجات الطب النووي والبحث العلمي وعلوم المواد، فضلا عن تصنيع المنتجات الرقمية ومختلف المنتجات المبتكرة النووية وغير النووية.
وتتمثل استراتيجية الشركة في تطوير مشاريع توليد الطاقة منخفضة الكربون، بما في ذلك في مجال طاقة الرياح. وتضم مجموعة "روساتوم" حاليا أكثر من 300 شركة ومؤسسة يعمل فيها أكثر من 250 ألف موظف.
الذكرى الـ75 لقطاع صناعة الطاقة النووية في روسيا
هذا ويحتفل قطاع صناعة الطاقة النووية في روسيا بعيده الـ75 هذا العام. وقد كانت روسيا ولا تزال دولة رائدة في مجال الاستخدام السلمي للطاقة الذرية. وفي 1954، دشن العلماء الروس أول محطة لتوليد الطاقة النووية، واليوم تمتلك "روساتوم" ثلاث وحدات طاقة مجهزة بأحدث المفاعلات النووية من الجيل 3+.
وخلال ثلاثة أرباع القرن الماضية، ظهرت في العديد من البلدان وحدات طاقة نووية وذلك بفضل الصناعة النووية، وحتى اليوم تحتفظ "روساتوم" على ريادتها من حيث حجم محفظتها للمشاريع الأجنبية. ولدى الشركة أسطول من كاسحات الجليد النووية يعد الوحيد في العالم، وأقوى مفاعل نيوتروني سريع. وكذلك تساهم الشركة في عمليات الرقمنة والطب النووي.
سان بول ليه دورانس، فرنسا، 28 يوليو، 2020.