كتب دوبرينين:
قد يشعر المراقب المحايد أن أزمة كتالونيا بدأت تهدأ، ولا سيما أن أعلام كتالونيا، التي كانت تغطي أجسام المتظاهرين من أنصار الانفصال عن إسبانيا، بدأت تغيب بالتدريج، بل واختفت. غير أن الصراع في حقيقة الأمر لا يزال مستمرا، وتحول إلى مرحلة جديدة.
فقد بعث رئيس وزراء إسبانيا ماريانو راخوي رسالة إلى رئيس حكومة كتالونيا كارليس بوتشديمون، يطلب فيها استيضاح ما إذا كانت كتالونيا قد أعلنت الاستقلال أم لا. ومنحه خمسة أيام للرد على السؤال. ولكن بوتشديمون قرر عدم الرد.
ويبدو أن بوتشديمون تذكَّر في النهاية أن السياسة هي التي تحدد الاقتصاد، وليس العكس. وأن الحسابات الاقتصادية لا تعطي مبررا للفرح من الاستقلال المحتمل، بل تحوله إلى رعب. صحيحٌ أن الضرر سيلحق بالطرفين في حال انفصال كتالونيا، حيث ستفقد إسبانيا 20 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي وسبعة ملايين نسمة وبعض المؤسسات المهمة. ولكن، لا يمكن تحديد كمية هذه المؤسسات المهمة، لأن هرب البزنس من كتالونيا يجري بوتائر سريعة؛ ما يكبد الإقليم المتمرد خسائر كبيرة، حيث قررت 540 شركة خلال أسبوع واحد مغادرة كتالونيا والاستقرار في المناطق الإسبانية أخرى.
كما أعلن أكبر مصارف الإقليم CaixaBank وSabadell" تغيير عنوانيهما القانوني.
فإذا علمنا أن القيمة التقديرية للشركات والمؤسسات، التي قررت مغادرة كتالونيا، تعادل 50 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي للمقاطعة، فبالكاد سيكون وضع المتبقية جيدا، وخاصة بعد أن حذر الاتحاد الأوروبي من أن الخروج من إسبانيا يعني الخروج من الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني خضوع السلع الكتالونية للرسوم الجمركية عند دخولها السوق الأوروبية المشتركة. وطبعا سينخفض حجم مبيعات هذه السلع، وبالتالي سيجبر العديد من رجال الأعمال على إغلاق مؤسساتهم الإنتاجية. وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة في المقاطعة إلى الضعف بحسب الخبراء.
كما أن كتالونيا مدينة لمدريد بمبلغ 75 مليار يورو تلقتها من العاصمة الإسبانية لتأمين رواتب المتقاعدين والرعاية الصحية وبرامج الضمان الاجتماعي. وبوتشديمون يعترف بهذا الدين وتعهد بسداده. وعلاوة على ذلك، سيكون على كتالونيا في حال انفصالها تحمل جزء من ديون المملكة الإسبانية يقدر بـ 200 مليار يورو، (تعادل ديون إسبانيا أكثر من ترليون يورو). وقد أعلنت وزارة المال الإسبانية أن "زبائن فروع مصارف كتالونيا يحولون يوميا 4 مليارات يورو يوميا إلى حسابات في مناطق البلاد".
وختاما، فإن شعار "كفى إطعاما لمدريد"، الذي جذب إلى معسكر الانفصاليين الكثيرين من سكان الإقليم صحيح، لأن كتالونيا تستلم من ميزانية إسبانيا 9 مليارات يورو أقل مما تعطيه. ولكننا إذا تحدثنا عمن يطعم من، فيمكن الإشارة إلى أن مدريد تستلم من ميزانية الدولة 19 مليار يورو أقل من المبلغ الذي تعطيه. فمن الأحق في الانفصال؟
ترجمة وإعداد: كامل توما