كتبت زابرودينا:
لم يرد رئيس كاتالونيا بـ "نعم" أو بـ "لا" على سؤال مدريد. وفي رسالته إلى رئيس الحكومة الإسبانية، لم يوضح أي شيء بشأن صفة الإقليم بعد الاستفتاء. بيد أنه دعا السلطة المركزية إلى الحوار.
فأي لعبة يمارسها بوتشديمون (54 سنة)، الذي قاد الناس في البداية إلى مراكز الاقتراع ثم نكص على أعقابه؟ حول هذه المسائل التقت الصحيفة الدكتور في العلوم التاريخية، أستاذ كرسي علم السياسة المقارنة في معهد موسكو للعلاقات الدولية سيرغي خينكين.
ماذا يريد بوتشديمون؟ يقول خينكين إن لدى هذا السياسي موقفين. ففي 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، صرح في البرلمان بأنه يدعم إعلان الاستقلال وفق نتائج الاستفتاء، ولكنه بعد لحظات أعلن عن تأجيله عدة أسابيع لغرض إجراء مفاوضات مع مدريد بشأن ذلك. وبعد هذا تم اعتماد وثيقة استقلال كاتالونيا، التي وقعها 72 نائبا في البرلمان بمن فيهم رئيسه. بيد أن هذه الوثيقة لم تكن ذات قوة قانونية لعدم طرحها على التصويت. أي إن الموقف منذ البداية كان غامضا، ويعتقد كثيرون أن هذا الغموض كان محسوبا.
ويعرب خينكين عن اعتقاده بأن السبب الرئيس لذلك هو هروب رؤوس الأموال والشركات من الإقليم، حيث لم يكن هذا ضمن توقعات رئاسة المقاطعة. علاوة على أن بوتشديمون كان يعول على وساطة المجتمع الدولي للتوصل إلى اتفاق مع مدريد. لكن كتالونيا هي إقليم متمرد وينتهك دستور البلاد، بحسب السلطة المركزية، وقد دعم الاتحاد الأوروبي موقف رئيس الحكومة الإسبانية بقوة، ودعا إلى الحفاظ على وحدة البلاد، بغض النظر عن تصرفات الشرطة في يوم الاستفتاء.
وهل سيلاحق بوتشديمون جنائيا؟
يقول الخبير: لقد بدأت التحقيقات بنشاطه، وهذا يهدد بسجنه فترة طويلة. وبالطبع، فإن بوتشديمون لا يريد سفك الدماء. وقد جرى الاستفتاء من دون وقوع ضحايا. بيد أن تصرفات رجال الشرطة أغضبت كثيرا سكان المقاطعة.
وقد خيب بوتشديمون آمال أنصار الانفصاليين، الذين كانوا واثقين من أنه سيعلن الاستقلال بحزم. أما المعتدلون في معسكره، فلم يعارضوا من حيث المبدأ المفاوضات مع السلطة المركزية. في حين أن البقية إلى جانب انتهاج هذا الأسلوب الغامض، لأن التراجع بعد الاستفتاء ونتائجه، يعني الخيانة. لذلك نرى استمرار المناقشات دخل معسكر الانفصاليين، وبوتشديمون واقع تحت ضغط أطراف عديدة. وبما أنه لم يرد بوضوح على إنذار مدريد، فإن هذا يعني بقاءه على مواقفه السابقة، أي دعم الاستقلال. وهذا مرفوض من جانب مدريد.
ولكن ماذا كان ينتظر من إجراء الاستفتاء؟
بالطبع كان يتوقع رد فعل مدريد، حيث كان منذ البداية واضحا أن مدريد لن تخلي سبيل كتالونيا. بيد أن بوتشديمون أراد تصعيد الوضع، واستقطاب أكبر عدد من الناس إلى النزعة الانفصالية. لقد كانت هذه خطوة مغامرة. فقد انقسم المجتمع الكتالوني، حيث إن معظم الناس لا يريدون الانفصال عن إسبانيا. والذين وقفوا إلى جانب بوتشديمون كانوا أقلية، ولكن أقلية متنفذة تسيطر على وسائل الإعلام والتعليم.
كارليس بوتشديمون سياسي واثق من نفسه ومستعد للسير إلى النهاية، رغم علمه بأنه يقدم نفسه ضحية، لأن المادة 155 من الدستور الإسباني تسمح لمدريد بتخفيض صلاحيات سلطات المقاطعة وحتى حل البرلمان وإلغاء الحكم الذاتي وإدارة المقاطعة مباشرة من مدريد.
من جانبها، تشير الدكتورة في العلوم السياسية من معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية إرينا بروخورينكو إلى أن جميع هذه العوامل تمنع كارليس بوتشديمون من اتخاذ خطوات حاسمة، وتجبره على البحث عن سبل للتفاوض مع مدريد، باعتباره الخيار الأصح، لأن عليه من جانب الحفاظ على ماء وجهه، ومن جانب آخر يعلم أن مجال المناورة صغير. لذلك لم يرد بوضوح على إنذار مدريد.
فهل سيتمكن من البقاء في السلطة في حال إجراء انتخابات مبكرة؟ ليس مستبعدا أن يضطر إلى تقديم استقالته، مع أن هذا يعني أن إجراء الاستفتاء كان بداية نهايته كسياسي.
ترجمة وإعداد كامل توما