جاء في مقال الصحيفة:
في الوقت الذي بدأ المتنافسان على كرسي الرئاسة في فرنسا يستعدان للمناظرة التلفزيونية المقررة يوم 3 مايو/أيار المقبل، يستمر المحللون استنادا إلى نتائج استطلاع الرأي في تحليل نتائج الجولة الأولى للانتخابات الفرنسية بالتنبؤ بنتائج الجولة الثانية. فقد صوتت لمصلحة مارين لوبان فرنسا "العاملة"، أي المناطق التي تضررت اقتصاديا من العولمة.
أما ماكرون فقد دعمته فرنسا "الياقات البيضاء" – المديرون، الذين استطاعوا التكيف مع المشروع الأوروبي، ويجنون من تنفيذه منافع مالية.
وقد أثار الفوز الهش والمشكوك فيه لماكرون في الجولة الأولى انتباه الصحيفة السويسرية "نويه تسورخير تسايتونغ"، وتقول: صوت لمصلحة المتشككين بأوروبا مارين لوبان وجان-لوك ميلانشون 42 في المئة من الناخبين، في حين أن 24 في المئة من الناخبين صوتوا لمصلحة التكامل الأوروبي.
ومع ذلك، فإن غالبية المحللين في الغرب لا يريدون تصديق أن ممثلة "الجبهة الوطنية" ستكون سيدة قصر الإليزيه، ويصرون على فوز ماكرون. وهؤلاء يستندون إلى نتائج استطلاعات الرأي التي تؤكد أن 64 في المئة من الناخبين لم يصوتوا سابقا لمرشحي "الجبهة الوطنية" ولن يصوتوا الآن.
أما مارين لوبان، قد اصطدمت عندما كان عمرها ثماني سنوات بظهور الإرهاب عام 1976، حين رمى مجهول قنبلة يدوية في البيت، الذي كانت تعيش فيه، بهدف اغتيال والدها. ولوبان طوال حياتها تواجه التفرقة بسبب المواقف السياسية لعائلتها، حيث تذكرت في حديث لها، أنها قدمت طلبا للعمل سكرتيرة للمحكمة، ولكنهم أوضحوا لها بصراحة أنها بسبب اسم عائلتها ليس لها أي فرصة للحصول على هذا العمل. وليس غريبا أنه حتى الذين لا تعجبهم "الجبهة الوطنية" بحسب استطلاع صحيفة لوموند، يعدُّون مارين لوبان امرأة قوية الإرادة (80 في المئة) و(69 في المئة) يرون أنها من السياسيين المستعدين لاتخاذ القرارات.
ولا يمكن قول ذلك عن منافسها، حيث يصف مدير المعهد الألماني–الفرنسي في لودفيغسبورغ، شتيفان زايديندورف ماكرون بأنه "منتوج تقليدي للنخبة الفرنسية". وبحسب قوله، نال ماكرون تعليم المثقفين، في حين أنه يجسد كل ما تقف ضده لوبان في حملتها الانتخابية.
والأمر الأصعب هنا هو فهم كيف تمكن هذا "الطفل المعجزة"، الذي كان وزيرا للاقتصاد في حكومة الرئيس غير المحبوب فرانسوا هولاند، والذي كان المحتجون يرمونه بالبيض من جراء إصلاحاته في سوق العمل، وخلال شهرين تمكن من تأسيس حركة سياسية وحشد 190 ألف ناشط، والتفوق على بقية المنافسين في الجولة الأولى للانتخابات.
وقد كتب الرئيس الأمريكي في تويتر معلقا على نتائج الجولة الأولى: "تجري في فرنسا انتخابات مثيرة جدا". وبعد العملية الإرهابية في جادة الشانزليزيه كتب: "شعب فرنسا لن يتحمل هذا أكثر، وسوف يؤثر هذا كثيرا في الانتخابات الرئاسية". ورأى العديد من المحللين في أوروبا هذا التعليق دعما خفيا لمارين لوبان، التي يتصدر أمن الفرنسيين برنامجها الانتخابي، وتشديد اجراءات الهجرة لمواجهة الإرهاب.
ولكن، وكما يبدو فقد فضل الفرنسيون "هالة طراوة" الواثق من أن "اللاجئين صامدون وطليعيون"، وأن سياسة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بشأن الهجرة أنقذت هيبة أوروبا، على وجهات نظر لوبان.
غير أن الأمر الذي يثير العجب هو رفض الفرنسيين تحليل عواقب انتخاب ماكرون، فبحسب صحيفة "دي تسايت" (الألمانية): "السياسيون وعلماء الاجتماع واستراتيجيو الانتخابات يتفقون على أن ماكرون يبيع منتوجا تحت اسم "ماكرون"، هكذا تفسر الصحيفة فوز ماكرون؛ مشيرة إلى أن الناخب كما يبدو لا يهمه ما الذي يخفيه الغلاف "الساطع"، على الرغم من أنه كان يمكنه استنتاج ذلك من المناظرة التلفزيونية الأولى: "تتحدثون منذ سبع دقائق، ولكني لم أتمكن من فهم أفكاركم". هذا ما قالته لوبان بسخرية لماكرون، مشيرة بذلك إلى عدم قدرته على التعبير بدقة عن أفكاره.
والأمر المثير الآخر هو أن منافسي ماكرون كافة انتقدوه بشدة في الجولة الأولى (باستثناء ميلانشون). ولكنهم فورا بعد إعلان نتائج الجولة الأولى وهزيمتهم، أسرعوا إلى دعوة أنصارهم للتصويت لمصلحة ماكرون في الجولة الثانية، لمنع وصول مارين لوبان للسلطة. ويفسر بعضٌ هذا بأن حركة "الى الأمام" التي يرأسها ماكرون لن تحصل على مقاعد كثيرة في الانتخابات البرلمانية، لذلك سيكون عليه التعاون مع الأحزاب التقليدية، التي ستمنعه من تنفيذ وعوده الانتخابية.
ترجمة واعداد كامل توما