لا تحدث الانشقاقات في السياسة دفعة واحدة، بل تبدأ بهدوء؛ حيث يتجه عضو أو اثنان من القطيع نحو أرض أكثر أماناً، بينما يتظاهر البقية بعدم ملاحظة ذلك. ولكن بمجرد أن تتغير الأجواء، تصبح الحركة جلية لا لبس فيها. وأعتقد أن الانشقاقات قد بدأت داخل الحزب الجمهوري.
لقد بدأت أولى العلامات تظهر؛ حيث بدأ بعض أعضاء الكونغرس الجمهوريين - بعضهم من حاملي لواء حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" - ينأون بأنفسهم عن الرئيس دونالد ترامب. ويقاوم أعضاء مجلس الشيوخ مساعيه لإنهاء سياسة المماطلة. كما اتخذ سيناتور كنتاكي، راند بول، موقفاً ضد تعريفات الرئيس الجمركية. وقد لا يدوم انفصال النائبة عن ولاية جورجيا، مارجوري تايلور غرين، الصريحة، عن الرئيس ترامب في عدة قضايا، لكن حتى الانشقاق المؤقت يُشير إلى إمكانية حدوثه. ويوفر هذا غطاء لأولئك الذين شككوا سراً في توجه الحزب لكنهم لم يُصرّحوا بذلك علناً.
يشهد المناخ السياسي الذي كان يُكافئ الولاء المطلق للرئيس تحولاً. وسيضيف الفوز الساحق للديمقراطيين في انتخابات الثلاثاء، التي تُجرى في غير موسمها، زخماً إلى هذا الوضع. ومن الواضح أن انتخابات التجديد النصفي، التي لم يتبقَّ لها سوى أقل من عام، تفضل الديمقراطيين - لا سيما في مجلس النواب، حيث يُتوقع فوزهم بالأغلبية. وإذا حدث ذلك، فلن يكون ذلك لأن الديمقراطيين قد وجدوا فجأة الرسالة المثالية، بل لأن سياسات الرئيس الاقتصادية لا تتوافق جوهرياً مع المبادئ المحافظة والواقع الاقتصادي.
لنأخذ التعريفات الجمركية مثالاً. فالتعريفات الجمركية دون شك هي ضرائب، وهي تضخمية بطبيعتها، إذ ترفع التكاليف على المستهلكين والشركات على حد سواء. ولا ينبغي أن يكون هذا مثيراً للجدل بالنسبة لحزب كان يفخر في السابق بفهمه لأساسيات اقتصاد السوق. ومع ذلك، فقد تبنى الحزب الجمهوري الحمائية والسياسة الصناعية بحماسة والتي من شأنها أن تُشعر الديمقراطيين في سبعينيات القرن الماضي بالخجل.
والنتيجة المتوقعة هي فرض رسوم جمركية متبادلة وارتفاع الأسعار وتكيف سلاسل التوريد بطرق تضر بالعمال الأمريكيين على المدى الطويل. وكل هذا ليس نظرياً؛ إنها نفس الدورة التي شهدناها قبل قرن من الزمان عندما عمّقت الحمائية الكساد الكبير. والاقتصادات المبنية على الاستياء بدلًا من المنافسة تجد نفسها دائماً أكثر فقراً.
لذا، سيواجه الجمهوريون المترشحون لانتخابات منتصف المدة خياراً؛ فإما أن يتمسكوا، كما فعل العديد من الديمقراطيين في عام 2024، برسالة اقتصادية تتجاهل الواقع. أو أن يبدأوا العمل البطيء والضروري لاستعادة حزب الأسواق الحرة والمشاركة العالمية.
والجمهوريون الأكثر ترجيحاً لقيادة هذه الانشقاقات هم أعضاء مجلس الشيوخ غير المُرشحين في انتخابات عام 2026، والذين لديهم الوقت والعزلة، وربما لمحة من البصيرة. وهم يدركون، بعد أن تجاوزوا تقلبات الدورات الانتخابية الماضية، أن الرأي العام دوري، لكن سمعتهم تبقى. وكان معظمهم قد دخل معترك السياسة مُعتقدين أن الانضباط المالي والعولمة من فضائل الجمهوريين، ولا من بدعهم. لكنهم الآن يريدون إعادة مجلس الشيوخ إلى الهيئة التداولية التي كان عليها سابقاً.
سيكون هناك، بالطبع، من يرفضون. لكن مقلدي ترامب لم يُفلحوا، والتقليد ليس استراتيجية. وولايتي أريزونا، بحاكمها الديمقراطي وعضوين ديمقراطيين في مجلس الشيوخ، جديرة بالدراسة. فحتى مع وجود الرئيس على ورقة الاقتراع وانخراط قاعدته الشعبية بشكل كامل، لم يُفلح أتباعه في هذه الولاية، المعروفة تاريخياً بتأييدها للحزب الجمهوري.
ودون وجود الرئيس على ورقة الاقتراع، سيجد المرشحون الذين يعتمدون على التظلمات والاستعراض صعوبة أكبر في الفوز بالانتخابات على مستوى الولاية. ولذلك فإن ما نشهده ليس مجرد تعديل تكتيكي، بل هو المراحل الأولى من إعادة تنظيم لأن السياسة تكره الفراغ. ومع ضعف نفوذ الرئيس، سينفتح المجال للمحافظين التقليديين؛ أولئك الذين ما زالوا يؤمنون بحكومة محدودة وأسواق مفتوحة وقيادة أمريكية قائمة على القدوة لا الترهيب.
سيعتبر البعض هذا خيانة، لكنه ليس كذلك، بل هو بقاء. ولا يمكن للحزب الجمهوري أن يستمر إلى ما لا نهاية كحركة تُعرّف بالانعزالية في الخارج والشعبوية في الداخل. وقد تُثير هذه الغرائز حماس حشد من الناس، لكنها تُفسد الحكم. وفي النهاية، سيمل الناخبون من الغضب الاستعراضي وسيتجهون نحو الكفاءة.
ولهذا السبب تُعدّ الانشفافات القادمة مهمة؛ فهي لا تمثّل تمرداً، بل عودة إلى فكرة أن القيادة تتعلق بالإقناع لا بالعقاب؛ وأن المحافظة تتعلق بالرعاية لا بالشك؛ وأن ازدهارنا وأمننا مرتبطان بازدهار وأمن الآخرين.
لن يكون طريق العودة سهلاً. فالقاعدة التي تُكافئ اختبارات النزاهة لا تزال تتمتع بنفوذ حقيقي في الانتخابات التمهيدية. لكن الجمهوريين المُعرّضين للخطر سيدركون أن الصمت أغلى من المعارضة. وكل بادرة استقلالية صغيرة، وكل سيناتور أو نائب يرفض ترديد أحدث الأفكار، يدفع القطيع نحو آفاق جديدة.
لن تكون الانشقاقات تدافعاً، بل ستتكشف تصويتاً تلو الآخر، ودائرة تلو الأخرى. وسينتقل بعض الجمهوريين بدافع القناعة، وبعضهم الآخر بدافع الضرورة السياسية. كما ستختلف الدوافع، لكن الحركة مستمرة.
وفي نهاية المطاف، وبعد أن يتمكن ما يكفي من القطيع من إتمام الرحلة، سوف ينظر الحزب الجمهوري إلى الأعلى ويجد نفسه في مكان جديد قديم؛ مكان متجذر في التفاؤل والتجارة الحرة والاقتناع بأن أمريكا تقود على نحو أفضل عندما تشارك بدلا من أن تتراجع.
المصدر: واشنطن بوست