لا يزال هناك حقائق كثيرة يجب أن نعلمها حول دوافع المشتبه به، تايلر روبنسون، الذي أطلق النار على الناشط المحافظ تشارلي كيرك. لكن وثائق الاتهام تشير إلى أن السياسة لعبت دوراً. ويُقال إن روبنسون أخبر أصدقاءه أنه "سئم" من "كراهية" كيرك، وأنه يرد على خطاب الناشط.
ومن المعلومات التي استقيناها من أصدقاء روبنسون تبين أنه لاعب شغوف بالألعاب الإلكترونية، وكان في حالة حرجة على الإنترنت، لا سيما على منصة التواصل الاجتماعي ديسكورد. وتُبرز أغلفة الرصاص التي عُثر عليها في موقع الجريمة وفي سلاح الجريمة، والمنقوش عليها أوامر ألعاب وميمات إنترنت، مدى انغماس القاتل في ثقافات الإنترنت الفرعية.
تبدو قضية روبنسون وكأنها تعكس مزيجاً من العنف السياسي التقليدي وثقافة الإنترنت، لكنها تُبرز أن هناك صلة قوية بين النشاط في مساحات الإنترنت شبه الخاصة والعنف الذي يتحدى التصنيف الحزبي البسيط، ويعكس المظالم الشخصية والعدمية والتوجهات الثقافية الفرعية على الإنترنت.
إن التطرف على الإنترنت والعنف المرتبط بالميمات يخلقان مخاوف جديدة بشأن السلامة العامة، وذلك بسبب انغماس الشباب الصاعد فيهما. ولا تُمثل هذه الحالات مجرد حوادث معزولة، بل تشير إلى تحول نحو التطرف لا يزال القائمون على إنفاذ القانون والباحثون يتعلمون كيفية تحديده ومواجهته.
وتوضح الحالات الأخيرة هذا الاتجاه العدمي. ففي اليوم نفسه الذي قُتل فيه كيرك في 10 سبتمبر، أطلق مراهق النار في مدرسة ثانوية بضاحية دنفر، فأصاب طالبين قبل أن يطلق النار على نفسه. وقبل أسبوعين، أعلنت الشرطة أن مسلحاً يبلغ من العمر 23 عاماً قتل شخصين وأصاب 18 آخرين خارج كنيسة في مينيابوليس.
يبدو أن دافع المشتبه بهما في دنفر ومينيابوليس كان ولعهما بالعنف أكثر من دوافعهما السياسية المعلنة. وقد أظهرت بصماتهما الرقمية اندماجهما بشكل كبير في ثقافات فرعية على الإنترنت تبجّل العنف الجماعي وتشجع الآخرين على اتباع نهجهما.
وتُظهر قضية قتل كيرك تأثيراً واضحاً للإنترنت في أغلفة الرصاص المنقوشة بإشارات إلى ألعاب الفيديو والميمات، مما يشير إلى عناصر تمثيلية إلى جانب نوايا سياسية من روبنسون. وما يربط بين الحالات الثلاث هو التطرف الشخصي المتسارع عبر الإنترنت، والذي يمزج بين المظالم الشخصية والعنف الأدائي الذي يهدف إلى جذب الانتباه الفيروسي عبر الإنترنت.
نحن بحاجة إلى مزيد من الأبحاث حول التطرف عبر الإنترنت. وفي الآونة الأخيرة، استخدم مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) مصطلحاً جديداً لوصف هذه الظاهرة: المتطرفون العنيفون العدميون، وتعدّ المحادثات الجماعية على ديسكورد وتيليغرام بمثابة نقاط اتصال حيوية للمتطرفين العدميين، وقد أصبحت متفشية بشكل مُقلق.
وكشف تحقيق أُجري عام 2024 عن وجود أكثر من 50 مجموعة دردشة عبر ديسكورد وتيليغرام تابعة لمجموعة NVE 764، التي وصفتها مجلة Wired بأنها "شبكة عالمية من المُفترسين العنيفين". كما عثر باحثو التطرف على بيانات إضافية منشورة على تيليغرام.
وهذا لا يعني أن العنف ذي الدوافع السياسية قد تراجع. فالهجمات التي تُنفّذها أيديولوجيات اليسار المتطرف واليمين المتطرف ومعاداة السامية وغيرها من الأيديولوجيات المتطرفة التقليدية مستمرة.
ومع ذلك، تُبرز الحوادث الموصوفة هنا اتجاهاً موازياً نحو التطرف والعنف المفرط في التفرقة. ففي عام 2023 وحده، حظرت منصة ديسكورد 130 مجموعة و34 ألف حساب مرتبط بـ 764 مجموعة. ويُظهر استمرار التطرف الذاتي الحاجة الملحة للباحثين وشركات التكنولوجيا والهيئات الفيدرالية للتحقيق في المجتمعات الرقمية التي تُشجع التطرف وتعطيلها.
وبدلاً من تكثيف الجهود قامت إدارة الرئيس دونالد ترامب بخفض عشرات الملايين من الدولارات من البرامج التي تهدف إلى المساعدة في جهود مكافحة التطرف، وفقاً لمنظمة بروبابليكا.
يتطلب التصدي لهذه المشكلة اتخاذ إجراءات ليس فقط من جانب جهات إنفاذ القانون، بل أيضًا من جانب منصات التكنولوجيا وصانعي السياسات. بناءً على بحثنا، نوصي بثلاث خطوات رئيسية:
أولاً، ينبغي أن تضع منصات الإنترنت سياسات واضحة ضد التحريض على العنف والتهديدات العنيفة الصريحة، التي لا يحميها التعديل الأول، والاستثمار في أنظمة - بما في ذلك الأنظمة الآلية - للكشف عن هذا المحتوى والاستجابة له بشكل موثوق واستباقي.
ثانياً، ينبغي على صانعي السياسات توضيح بروتوكولات تعاون القطاع مع جهات إنفاذ القانون، بما يتوافق مع ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة الدستورية.
وأخيراً ينبغي على المشرّعين فرض معايير محددة للشفافية والتصميم والإجراءات من خلال لوائح تلتزم بها المنصات، بما يتوافق مع حقها وحق مستخدميها في حرية التعبير.
إن اغتيال كيرك ليس سوى أحدث مثال على كيفية تطور التطرف السياسي، وكيف تُهيئ المنصات، رغم جهودها، مساحات للشباب ليصبحوا متطرفين في العنف الاستعراضي القائم على الميمات.
وهذه الحدود الجديدة، التي تتحدى التصنيف الأيديولوجي التقليدي، أصبحت متفشية وخطيرة. وهذا يُظهر الحاجة المُلحة لشركات التكنولوجيا والمشرّعين إلى الاتحاد لمواجهة هذا التهديد.
المصدر: USA Today