مباشر

هل ينفد صبر موسكو هذه المرة وما هي ردود الفعل المحتملة على الضربات الأوكرانية؟

تابعوا RT على
في مكالمة هاتفية أكد الرئيس بوتين لنظيره ترامب على حتمية الرد الروسي، كما نشرت موسكو معلومات حول استخدام متفجرات أمريكية في الهجمات الإرهابية الأوكرانية على السكك الحديدية الروسية.

في رأيي المتواضع أن كلتا الخطوتين مجرد ذريعة أو ستار دخان، بينما تكمن الرسالة الحقيقية في أن موسكو تضع ترامب أمام خيارين: إما تحمل مسؤولية الهجمات، أو قبول موقف موسكو الصارم، الذي تم التعبير عنه بشكل غير مباشر في محادثات إسطنبول: ستقاتل روسيا حتى النصر أو حتى تقبل الولايات المتحدة بجميع مطالبها. وستتخذ موسكو كل ما تراه ضروريا تجاه أوكرانيا، وإلا فسيكون وقد أصبح لديها بالفعل جميع المبررات الكافية لاستخدام الأسلحة النووية ضدها وضد دول "الناتو"، وستلقى مسؤولية أي تصعيد نووي محتمل على عاتق ترامب.

ويبدو لي أن حجم وشكل رد روسيا على الهجمات الأخيرة لا تحمل أهمية، وأن الاهتمام بها مبالغ فيه بسبب العواطف قصيرة الأمد. حقيقي أن روسيا تكبدت خسائر ملحوظة في أحد مكونات الثالوث النووي، لكن ذلك لا يغير موازين القوى ونتائج الحرب في أوكرانيا ولو حتى بنسبة ضئيلة، بينما لا تؤثر الضربة تقريبا على قدرة روسيا على تدمير الغرب.

كما أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في عدم وجود أهداف مكافئة في أوكرانيا تصلح لضربة انتقامية. قد يكون التخلص من زيلينسكي، بل قيادة أوكرانيا بأكملها، إلى حد ما ردا مكافئا، إلا أن ذلك سيكون فقط من أجل إحداث نوع من الارتباك والفوضى في حال شن الجيش الروسي هجوما واسع النطاق. على العكس، لا يمثل زيلينسكي أهمية تذكر في المعادلة، وبالعكس هو مناسب لروسيا وعدم اتزانه وعجزه عن تقديم تنازلات صعبة يبرران موقف موسكو الصارم. لذلك أعتقد أن احتمال القضاء على زيلينسكي ضئيل .

سيتحدد حجم الرد الروسي بالحاجة إلى رمي قطعة عظم لكلب الرأي العام، والتخفيف من وطأة الدعاية الغربية وتأثيرها على العقول الساذجة قبل أن ينسى الأمر. لا أشك في أن الجماهير ستنسى الحادثة خلال أسابيع قليلة، تماما كما تم نسيان غارة الطائرة المسيرة على الكرملين أو انفجار جسر القرم أو الهجوم على الرادار الاستراتيجي لنظام الإنذار من الهجمات النووية. لا يوحي مسار الحرب الناجح لروسيا في أوكرانيا بأي تغييرات لصالح كييف والغرب، بل على العكس، هناك كل الأسباب لتوقع تسارع سقوط نظام زيلينسكي. وعلى هذه الخلفية، سينتهي قريبا الانفعال الوجيز بشأن الطائرات الروسية.

بل وأجازف بالقول بأن تصفيق الجماهير أو خيبة أملها أو تأثير مثل هذه الأشياء على صورة روسيا في الخارج هي آخر ما يأخذه الكرملين في الاعتبار حين اتخاذ قراراته.

فما الذي سيحدد الرد إذن؟ وسؤال آخر ذو صلة: لم لا يكون الغرب نفسه هدفا لرد انتقامي؟ وأنا على يقين من أن الضربة ستوجه لأوكرانيا لا لبريطانيا، على سبيل المثال، وهو ما يتمناه الشق العاطفي من وجداني بشدة، والذي تستحقه لندن بجدارة لمشاركتها في مثل هذه الاستفزازات...

للإجابة على هذا السؤال، يتعين علينا النظر إلى ما وراء تداعيات أحداث اليوم والعودة إلى جذورها. فهدف الغرب هو إزاحة فلاديمير بوتين وزعزعة استقرار الوضع الداخلي الروسي، ومن ثم تدمير روسيا. وقد صرح الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا قبل أيام قليلة بأن بايدن أخبره عن اعتقاده بضرورة تدمير روسيا، وأعتقد أن تلك لم تكن مجرد كلمات عابرة لرجل عجوز مخرف، وإنما إجماع راسخ بين النخب الغربية.

دعوني أذكركم أنه قبل بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة، تركزت سلسلة من الضربات على روسيا. وحاول الغرب تنظيم تمرد في روسيا بعرض فيلم لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عن قصر بوتين المزعوم، وعودة نافالني إلى روسيا. كما تم تنظيم عدد من المحاولات الانقلابية الموالية للغرب في بيلاروس وكازاخستان.

وركزت بالتوازي أوكرانيا قوة ضاربة قوية حول دونباس، ما وضع موسكو أمام خيارين: إما أن تبدأ بنفسها، أو أن تقبل بتدمير جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، أو أن تقاتل على أراضيهما إذا بادرت أوكرانيا بالهجوم.

وخلال محاولة الانقلاب في بيلاروس، كانت القوات البولندية على وشك دخول البلاد، ما هدد بصدام مباشر بين روسيا وحلف "الناتو"، لكن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو تمكن من الحفاظ على استقرار الوضع.

وما نشهده اليوم من استفزازات لا يختلف عن تلك المذكورة أعلاه، وهدفها الرئيسي هو محاولة إجبار موسكو على الرد العسكري المباشر على الغرب، ما سيسمح للأخير بتحقيق تفوقه المضاعف على روسيا في مجال الأسلحة التقليدية والحرب التقليدية، أي هزيمة روسيا وتفتيتها إلى مستعمرات موالية للغرب.

وبالطبع فلدى روسيا أسلحة نووية، لكن أي حرب تقليدية مع "الناتو" ستكون تحت السيطرة، وستتصاعد شدتها تدريجيا، كما يحدث الآن، ولن يكون الرهان على الهزيمة العسكرية بقدر ما سيكون على استنزاف روسيا وزعزعة استقرارها الداخلي، على خلفية مشهد أن "بوتين نفسه كان أول من بدأ حربا مع الغرب، وها هو يخسرها". في الوقت نفسه، سيبقى خطر اندلاع حرب نووية عند مستوى مقبول.

إن الجبهة الرئيسية في الحرب العالمية الراهنة هي الجبهة الداخلية، وما يحدث في ساحة المعركة ثانوي للغاية ما لم تبدأ الانفجارات النووية.

بهذه الطريقة، وربما أكون مخطئا، لا أعتقد أننا بشأن ضربة انتقامية ضد الغرب، بغض النظر عن مدى تضخيم الدعاية الغربية لأهمية الضربات الأخيرة ومحاولتها إجبار بوتين على التصرف تحت تأثير العاطفة.

في الوقت نفسه، تكتس الأحداث أهمية بالغة في تبديد آخر الشكوك حول اختبار الغرب لإمكانية توجيه ما يسمى بـ "ضربة استباقية" ضد القدرات النووية الروسية والقيادة السياسية من خلال هذه الضربات. عمليا، ثبتت إمكانية تحييد جزء كبير من القدرات النووية لأي دولة نووية، بدءا من روسيا، باستخدام أسلحة رخيصة وغير نووية.

فمن يعتلي قمة هرم السلطة في ممالك الحيوانات التي تعيش في فصائل اجتماعية، بما في ذلك البشر، ليس الأذكى أو الأكثر اجتهادا أو حتى الأقوى، وإنما الأكثر عدوانية. والأنغلوساكسون كائنات مفترسة أثبتت مرارا وتكرارا على مر التاريخ شغفها الشديد بالسلطة، وهي مستعدة لتحمل الألم والمخاطرة بحياتها لتحقيق أهدافها. ولا أشك للحظة في أن احتمال نشوب حرب نووية يجب أن يؤخذ على محمل الجد، لأنه في حال الهزيمة بأوكرانيا، سيفقد الغرب بالتأكيد فرصته في هزيمة الصين، ما سيترك الأنغلوساكسون بلا خيار سوى شن حرب ساخنة مباشرة بين روسيا والناتو.

أعتقد أن بوتين يدرك أهداف الغرب وفخاخه، لذلك نرى هذا التمسك الصارم بمبدأ الصبر الاستراتيجي. ويتعين عليه أيضا أن يدرك أن الأحداث الأخيرة قد قربتنا كثيرا من ضربة استباقية من أحد الطرفين. ويبدو لي أن على موسكو أن تتخذ خطوة تظهر استعدادها للتصعيد النووي، وإلا سيضاعف الطرف الآخر من استفزازاته، وسيزداد احتمال تبادل الضربات النووية. لكنني أعتقد أن هذه الإجراءات المحتملة من جانب موسكو لن تكون مرتبطة بالوضع الراهن، وستتبع على الأرجح لحظة هزيمة كييف، وذلك لمنع القوات الغربية من دخول أوكرانيا، من غير المحتمل أن يحدث ذلك في وقت أقرب.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

رابط قناة "تلغرام" الخاصة بالكاتب

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا