وجاء في المقال المنشور على موقع المجلة:
إذا أردنا لعالم متعدد الأقطاب أن يبقى على قيد الحياة، سيتطلب ذلك المزيد من التعاون الدولي، وليس العكس، لمعالجة تغير المناخ ومنع حدوث أزمة مالية أو اندلاع صراع عسكري آخر.
يمر العالم اليوم بمنعطف يشبه زمن نهاية الحرب العالمية الأولى، الذي قال عنه الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي: "العالم القديم يحتضر، والعالم الجديد يكافح ليولد"، و"الآن هو زمن الوحوش"، حيث كان غرامشي شاهدا على صعود الفاشية في إيطاليا، وأدرك أن التحولات التي يرصدها قد تكون خطيرة.
مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، انتهى النظام الليبرالي الغربي الذي ترأسته الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فكيف ستتعامل الولايات المتحدة وأوروبا وبقية العام مع هذا المنعطف؟
ومع فوز ترامب الثاني، أغلقت الولايات المتحدة الباب أمام فعالية المؤسسات متعددة الأطراف كالأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، المؤسسات التي أنشأها قادة الولايات المتحدة السابقون لضمان السلام واستقرار الاقتصاد العالمي والقضاء على الفقر حول العالم. استمرت هذه المثالية حتى السنوات الأولى من حقبة ما بعد الحرب الباردة، عندما اعتقد الرئيس بيل كلينتون أن العولمة ستحسّن الأوضاع، وأن دولا أخرى ستصبح شبيهة بالولايات المتحدة. مع نهاية الحرب الباردة، أصبحت الديمقراطية والأسواق الحرة والقيادة الأمريكية مقصد البشرية فقط في عالم أحلام النخبة الأمريكية التي تؤمن بـ "نهاية التاريخ".
وكانت واشنطن أول من تحرر من وهمها، بينما اعتبرت العولمة كابوسا، عجّل بصعود منافسيها. فقد هاجرت صناعات بأكملها، ومعها وظائف أمريكية، إلى المكسيك والصين. وسعت الولايات المتحدة إلى فرض الديمقراطية في العراق وأفغانستان، لكنها مساع باءت بالفشل. وقوّضت الأزمة المالية عام 2008 المصداقية المالية الأمريكية وثقة الأمريكيين في نظامهم، فتم إنقاذ القطاع المالي، الذي كان أكبر من أن يفلس، بينما ترك الأفراد لمصيرهم يكافحون للحفاظ على منازلهم ووظائفهم.
وشهدت أواخر التسعينيات بدايات حركة شعبوية استغلها ترامب ببراعة، أوصلته إلى البيت الأبيض. فقد اتسم ترامب بجميع سمات أسلافه الشعوبيين: كان صريحا في حديثه، مبالغا في استغلال حقيقة أنه ليس سياسيا محترفا، فجذبت لغته المبالغ فيها وأسلوبه المباشر الساخطين والمهمشين، وراقت مزاعمه بالثراء والنجاح التجاري الحالمين الذين رغبوا في عودة الحلم الأمريكي.
وكان فوز ترامب في 2024 أكبر من فوزه في 2016، إذ حظي إلى جانب أصوات الطبقة العاملة البيضاء، بأصوات الرجال السود واللاتينيين والشباب. وصوت أكبر عدد من ناخبي الطبقة العاملة لترامب مقارنة بكامالا هاريس، ما حوّل الديمقراطيين إلى حزب الأغنياء. وسامحه الناخبون على إخفاقات ولايته الأولى، لا سيما سوء إدارته للجائحة. قليلون هم السياسيون الذين أدركوا التغيرات الاقتصادية والاجتماعية الجذرية التي دفعت الكثيرين إلى التخلي عن الحلم الأمريكي، حيث بلغ التفاوت مستويات غير مسبوقة.
ورغم أنه ولد ثريا، فقد استطاع التواصل مع الفقراء والساخطين. وسيشعرهم ببعض الراحة على المدى القصير من خلال خفض الضرائب ووضع حد لتدفق ملايين المهاجرين غير الشرعيين الذين يخشى العمال ذوو الياقات الزرقاء أن يسلبوهم وظائفهم. لقد أصبح كلا الحزبين مولعا بالحمائية التي قد تعيق الصناعة الأمريكية، وتتنازل عن العديد من قطاعاتها للصين، خاصة في مجال التكنولوجيا الخضراء.
وبينما لا يملك أي من الحزبين خطة لكبح العجز المالي والديون الأمريكية، يغامر ترامب بسلسلة من التخفيضات الضريبية الجديدة التي قد تضيف تريليونات إلى الدين، الذي يراهن ترامب على أن الحساب الختامي بشأنه لن يكون في عهده.
ويقع ترامب في أسر أوهامه بأن زيادة عائدات الجمارك ستعوض نقص الإيرادات من الإعفاءات الضريبية، وهو ما صرح به في حفل تنصيبه: "بدلا من فرض الضرائب على مواطنينا لإثراء دول أخرى، سنفرض رسوما جمركية وضرائب على الدول الأجنبية لإثراء مواطنينا. ولهذا الغرض سننشئ مصلحة الإيرادات الخارجية لجمع التعريفات والرسوم الجمركية والإيرادات. ستتدفق مبالغ طائلة إلى خزينتنا من مصادر أجنبية". ويظن ترامب أن التعريفات الجمركية سلاح متعدد الأغراض، والتهديد وحده كفيل بإقناع الأصدقاء والأعداء على حد سواء بالالتزام بمصالح الولايات المتحدة.
وفي عهد ترامب ربما يقل الحديث عن الحرب مع الصين، إلا أن تحقيق الانسجام بين الولايات المتحدة والصين يبدو مستبعدا. وبرغم أن ترامب يتجنب المحافظين الجدد المتشددين، إلا أنه لا يزال متأثرا ببعض المستشارين المناهضين للصين. ومن المرجح أن يلحق سعيه للانفصال عن الصين الضرر بالاقتصاد الأمريكي. وحتى لو لم يكمل برنامج "الصداقة الخارجية" بشكل كامل، فإن فرص إنعاش التجارة العالمية أو الإقليمية، كما في عهد أوباما، ضئيلة.
وسيشكل تجاهل ترامب لمعاناة الآخرين مشكلة للغرب، بل ومشكلة أكبر على المدى القريب بالنسبة لدول الجنوب العالمي. لقد فقد بايدن بالفعل صوابه تجاه العالم النامي، أما ترامب فهو أكثر جهلا بهذا العالم. وإفريقيا ودول نامية أخرى تغرق في الديون بسبب التكاليف الصحية الإضافية للجائحة، بعد أن انتشلت العولمة الملايين من براثن الفقر، يتزايد عدد الفقراء مجددا، بينما تتراجع المساعدات الغربية.
تتزايد الصراعات والحروب حول العالم، بينما لا يولي ترامب اهتماما يذكر للجنوب العالمي، وعندما ينظر الرئيس الجديد إلى العالم، لا يرى أمامه سوى اللاعبين الكبار كالصين وروسيا. أما بقية العام، فرؤيته ضبابية، وفكرة أن دول الجنوب العالمي قوى متوسطة ذات رأي في النظام العالمي لا تحركه، فتلك القوى إما مع الولايات المتحدة أو ضدها، وترامب غير مستعد للتعددية القطبية.
وبالعودة إلى اقتباس غرامشي، فإن ترامب، بنهاية ولايته، لن يكون قد انتهى من تفكيك النظام القديم، لكنه، وفي الوقت نفسه، لن يكون قد قطع شوطا طويلا في إعادة بناء التعاون العالمي. وهو يتشابه مع شي جين بينغ وفلاديمير بوتين في الرغبة بتحطيم النظام القديم. سيحدث دمار كبير، إلا أن هناك أمل وإيمان بإمكانية بزوغ عالم جديد أكثر عدلا من هذه الفوضى، وبأن الدول قادرة على بناء نظام جديد يعيد إطلاق التعاون العالمي.
الإعداد للعصر الجديد
لا شك أننا نواجه أوقاتا عصيبة، ونقطة تحول تاريخية. فقد انخرطت العولمة في شبكات تجارية قائمة على القيم، وتنمو القومية في كل مكان، وعادت الحروب الكبرى بين الدول، بينما يتسارع التحول من الغرب إلى الشرق، مصوبا بعدد هائل من التقنيات غير المجربة. ومع تراجع التعاون الدولي، فقد فقدنا وقتا ثمينا في مكافحة تغيّر المناخ، ما يعرض كوكب الأرض ونوعية حياة الأجيال القادمة للخطر. فما هي الدروس الصعبة اللازمة لتغيير التوجهات الحالية للدول القائمة على المصالح الذاتية نحو التعاون؟
- الدرس الأول: تجنب الحرب العالمية الثالثة
هناك طريقتان لحل المأزق الراهن: الأولى هي الحرب، التي يراها غراهام أليسون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد، القاعدة التاريخية لتسوية الخلافات بين الخصمين. وكانت التوترات قد تصاعدت في عهد بايدن، وسادت مخاوف من أن الولايات المتحدة والصين تتجهان نحو صراع حول تايوان، لكن كلا الجانبين تراجع عن حافة الهاوية. كما أثار بوتين شبح الحرب النووية بتحذيراته المتكررة من استخدام الأسلحة النووية التكتيكية لردع الدعم الغربي لأوكرانيا.
الطريقة الثانية هي التعلم من تجارب القرنين الماضيين للقوى العظمى التي سعت للعيش معا بسلام، وتطبيقها على العلاقات الدولية اليوم. بالنسبة للولايات المتحدة، يجب أن تدرك أن الهيمنة العالمية غير قابلة للاستمرار، وثمن الحفاظ عليها سيكون الإفلاس الداخلي والصراع في الخارج، وربما ينتهي بمحرقة نووية. لقد نجح توازن القوى بعد "الوفاق الأوروبي"، ولو اتبعت الولايات المتحدة هذا النهج اليوم، لظلت قوة عظمى، لكن سيتعين عليها الاعتراف بالصين، ومع مرور الوقت، بروسيا كلاعبين شرعيين، مع التسلم مع أن العالم متعدد الأقطاب، وأن الولايات المتحدة لا تستطيع وضع جميع القواعد.
لقد اقترح خبير أمريكي صيني أن تعلن واشنطن موافقتها على توحيد تايوان مع الصين إذا تحقق سلميا، وهو ما من شأنه أن يناقض اعتقاد الصين بأن القوة العسكرية هي السبيل الوحيد لتجنب استقلال تايوان. ومع ذلك، ففي السنوات الأخيرة، انتقلت واشنطن من مساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها إلى اعتبار الجزيرة رصيدا استراتيجيا لا يمكنها خسارته دون تقويض تفوقها البحري في شرق آسيا. وقد يتطلب الأمر حدثا مشابها لأزمة الصواريخ الكوبية لإقناع الجانبين بتقليص التنافس الأمني المدمر وإطلاق تدابير بناء الثقة.
لعل الشرق الأوسط هو الأصعب بين الصراعات الثلاثة، بالنظر إلى عدد الأطراف والحروب طويلة الأمد. فضم الأراضي الفلسطينية لن يؤجج سوى المزيد من الاضطرابات. ولا يمكن قمع خمسة ملايين فلسطيني إلى الأبد. ومن غير المرجح أيضا أن تختفي "حماس" و"حزب الله"، حتى وإن أضعفتا بشدة. بل إن وزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن قد صرح في الأيام الأخيرة لإدارة بايدن بأن "حماس" تمكنت من تجنيد أعدادا من المقاتلين الجدد يقارب عدد من خسرتهم. والحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة هو الحل الوحيد، وعلى إسرائيل أن تغتنم المساعدة التي تقدمها المملكة العربية السعودية ودول أخرى لإقامة دولة فلسطينية قوية بما يكفي لمنع الإرهابيين من العمل انطلاقا من أراضيها. قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يتعب الإسرائيليون من صراع لا هوادة فيه. ومع ذلك، فإن اتخاذ خطوات لضم الضفة الغربية وغزة قد يشعل صراعا بين الفلسطينيين واليهود داخل إسرائيل. ولن ترغب إدارة ترامب في الضغط على إسرائيل، لكن على الأوروبيين والسعوديين وغيرهم التدخل وإقناع إدارة ترامب بعدم الاعتراف بالضمّ من قبل الإسرائيليين.
في سياق متصل بالشرق الأوسط، فلطالما سعت الولايات المتحدة إلى تغيير الأنظمة مع أعدائها، إلا أن التضييق على إيران لن يؤدي سوى إلى تسريع عزمها على إنتاج أسلحة نووية. لذا، فمن الأفضل لواشنطن أن تتواصل مع إيران، كما وعد ترامب في حملته الانتخابية، مع تجنب أساليب الضغط الأقصى، التي ستؤدي إلى محاولة أخرى فاشلة للتعاون، بدلا من إضعاف طهران. وتلعب روسيا والصين بهذا الصدد أدوارا متزايدة، ويجب إشراكهما في جهود تحقيق السلام الإقليمي.
- الدرس الثاني: التعاون بدلا من المنافسة
تتيح جهود التخفيف من آثار تغيّر المناخ والتكيف معه فرصة أخرى لتجديد العلاقات الأمريكية الصينية وبناء الثقة. وحماية الذات مع تجاهل تحديات المناخ العالمية هو أمر غير مستدام، لهذا يجب أن تكون هذه الجهود عالمية حتى تكلل بالنجاح، ودور الصين في التكنولوجيا الخضراء يجعل التعاون معها أمرا حيويا. كذلك فإنه يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا أن تشارك الصينيين وغيرهم في تطوير بطاريات أفضل وأطول عمرا، على سبيل المثال. بدلا من الخوف من توسع احتكار الصين شبه الكامل لإنتاج البطاريات، ومحاولات تقليص اعتماد الدول الغربية عليها. وبدلا من التنافس ينبغي مشاركة الابتكارات التكنولوجية الرئيسية كسلع عامة تعود بالنفع على الجميع.
قد تتأثر قيمة التكنولوجيا الخضراء الأمريكية والآسيوية والأوروبية بشدة حال تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. والقيادة الحقيقية في العالم المتعدد الأقطاب تتضمن معالجة القضايا العالمية، وليس فقط المصالح الذاتية. ويجب على الغرب أن يوسع من اهتمامه بمصالح أوسع تتجاوز مصالحه الخاصة للحفاظ على نفوذه، والانعزال خلف "جدار الديمقراطية" الخاص بالغرب، وتجاهل العالم الأوسع سيعيق انتشار القيم الغربية ويقوض الأسس الاقتصادية للحضارة الغربية.
لقد أصبحت الصين رائدة الطاقة المتجددة عالميا خلال العقد الماضي، ومن المتوقع أن تتجاوز هدفها لعام 2030 في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بحلول عام 2025. وتعد تلك المصادر هي الأقل تكلفة وستكون محورية في الانتقال إلى الطاقة النظيفة في العالم النامي. ومع ذلك، تتزايد محطات الفحم أيضا، جزئيا كدعم لدميع مزارع الرياح والطاقة الشمسية الجديدة، والصين هي أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وبرغم تقدمها، يجب على الصين أيضا بذل مزيد من الجهود في هذا الشأن.
- الدرس الثالث: تجنب الأزمة المالية القادمة
تبرز الحاجة في عالمنا متعدد الأقطاب إلى التنسيق الدولي للحد من تفاقم اختلالات الاقتصاد الكلي، والتي قد تتحول إلى أزمة. وقد برزت هذه المخاطر خلال الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية في عامي 2007-2008، عندما كانت الاختلالات العالمية كبيرة وعاملا رئيسيا في انتشار الأزمة.
إن الاختلالات تتزايد، ولن تتراجع برسوم ترامب الجمركية وفصل سلاسل التوريد، بل من خلال عمليات التكيف الهيكلي طويلة الأجل: ينبغي على الدول ذات الفائض، مثل ألمانيا والصين، أن تقلل من الادخار وتزيد من الاستهلاك. كما أن مثل هذه الخطوة من جانب ألمانيا ستعزز الوحدة السياسية لأوروبا. ومن المرجح أن يفضّل القادة الصينيون التحول نحو اقتصاد يقوده المستهلك فقط إذا خفت حدة التوترات مع الولايات المتحدة. أما الدول التي تعاني من عجز، مثل الولايات المتحدة، فيجب أن تكثف من ادخارها وتخفض من عجزها الحكومي وديونها، اللذان يعززان أيضا اختلالات الاقتصاد الكلي. وطالما أن الولايات المتحدة تعاني من عجز في الميزانية، فسوف تعاني من عجز تجاري، والعجزان المزدوجان (الميزانية والتجارة) هما جزئيا نتيجة لقوة الدولار. لذا، يتعين اتخاذ تدابير للحد من المبالغة الهيكلية في تقييم الدولار، إضافة إلى فرض تصحيح لليوان الصيني المقيّم بأقل من قيمته الحقيقية. وقد اقترح جون ماينارد كينز نظاما عالميا للتجارة ورأس المال عام 1944، تضمن عملة اصطناعية مصممة لامتصاص الاختلالات العالمية، مثل عملة فوق وطنية قائمة على حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي. ومع ذلك، لن يرغب أي من اللاعبين الرئيسيين: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين في تنسيق سياساتهم النقدية والمالية في إطار مثل هذا الترتيب، الأمر الذي سيعتبره الجميع فقدانا للسيادة.
- الدرس الرابع: الشمول.. نظام متعدد الأقطاب أكثر تمثيلا
تاريخيا، كان أفضل وقت للإصلاح متعدد الأطراف هو وجود قوة عالمية مهيمنة معترف بها. إلا أنه، ومن المفارقات، أنه في ظل التعددية القطبية، يصعب الإصلاح في ظل تنافس القوى الصاعدة المختلفة على مقعد دائم، وشكوكها في التغييرات التي قد تصب في مصلحة خصومها. لهذا السبب تمت عرقلة عملية إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي حين ارتفعت عضوية الأمم المتحدة، من 51 عضو إلى 185 عضوا، لم ترتفع مقاعد مجلس الأمن من 11 إلى 15 عضوا إلى في منتصف الستينيات. واحتفظت الدول الخمس المنتصرة في الحرب العالمية الثانية بحقها في النقض "الفيتو"، أما الدول العشر غير الدائمة العضوية، فتمثل مناطق مختلفة وتستمر ولايتها عامين فقط.
بدون هذا الإصلاح لمجلس الأمن وغيره من المؤسسات متعددة الأطراف، ستميل الدول النامية إلى وضع المزيد من الأمل والثقة في الهيئات التي أسستها روسيا والصين، مثل مجموعة "بريكس"، حيث يرجح أن تسمع أصواتها. وستزيد الهيئات متعددة الأطراف المتنافسة من حدة المواجهة، وتقوّض التعاون الضروري لتمكين مستقبل مستدام وسلمي.
لقد فشل وودرو ويلسون، الرئيس الثامن والعشرون للولايات المتحدة، في تحقيق نظام عالمي جديد أكثر سلمية في نهاية الحرب العالمية الأولى، لأسباب ليس أقلها القيود المفروضة على انضمام الولايات المتحدة إلى عصبة الأمم وتوليها دورا عالميا أكبر. وساد الأصوات الانعزالية والحمائية في السياسة الخارجية الأمريكية، سياسة أحادية الجانب ومنغلقة على نفسها، تنأى بنفسها عن الالتزامات الأمنية "خارج نصف الكرة الأرضية" وتبتعد عن التعاون الاقتصادي الدولي. وجميعنا يعرف كيف انتهت القصة بحرب عالمية ثانية. ولا يقتصر الأمر على تجنب الكوارث فحسب، بل يتعلق ببناء مستقبل يصبح فيه الرخاء والأمن والاستدامة المشتركة أساسا لنظام عالمي حقيقي. والبديل ليس مجرد الفشل، بل انهيار كل قيمة نملكها.
المصدر: The National Interest