مباشر

البيروقراطية في أمريكا ليست المشكلة بل الحل

تابعوا RT على
تقليص الحكومة لتخفيف الهدر يعني إلحاق الضرر بآلاف الموظفين الذين يضمنون أن الماء نظيف، وأن الطائرات آمنة، وأن كبار السن لا يموتون جوعًا. راندي إيسيكس – USA Today

إن التسريح ليس أرقاما، بل هو تمزيق لشبكة الأمان التي يعتمد عليها معظم أفراد المجتمع. وخلف عملية التسريح هذه تكمن أسئلة عميقة.

لقد عملت زميلة لي لمدة 21 عامًا في إدارة الضمان الاجتماعي (SSA)، تساعد ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن الفقراء، لكنها استسلمت للضغوط بسبب نقص الموظفين وبيئة العمل السامة. والآن، يريد إيلون ماسك خفض 12% من عمالة الضمان الاجتماعي (7,000 موظف)، بعد أن أقال ترامب 105,000 موظف فيدرالي في شهرين فقط (بعضها قيد النزاع القضائي). وتضرب هذه التسريحات الفئات الأكثر ضعفًا، حيث تتراكم الملفات، وتطول فترات الانتظار، ويحترق الموظفون الباقون من شدة الضغط.

مفارقة "الولاية التي تعيش على الحكومة الفيدرالية"

إن ولاية نبراسكا (التي تحصل على أموال فيدرالية أكثر مما تدفع لواشنطن) تعتمد على التمويل الفيدرالي، بينما يسخر سكانها من الموظفين الفيدراليين. وهذه الازدواجية واضحة في الولايات "المحافظة". ففي 2020، حصلت نبراسكا على 1.10 دولار مقابل كل دولار ضريبي تدفعه، ومع ذلك يتم تصوير العاملين في هذه البرامج كـ"طفيليين بيروقراطيين".

السلم الحكومي الذي نسيناه

من خلال التجربة الشخصية يمكن القول أن المنح الفيدرالية والقروض الطلابية والتعليم العام ساعدونا على الخروج من الفقر وتحقيق "الحلم الأمريكي". وتظهر البيانات تظهر كل دولار يُستثمر في منح Pell يعود بستة دولارات كعائد اقتصادي، لكن الإعلام يركز على "إهدار المال العام" بدلاً من إبراز هذه النجاحات.

نظام الخدمة العامة ينزف ببطء

تواجه الوكالات الفيدرالية أزمة جيل، فقط 6% من موظفيها تحت سن 30، ووقت انتظار مكالمات خدمة عملاء الضمان الاجتماعي وصل إلى 36 دقيقة. كما أن موجة التسريحات الحالية ستسارع في انهيار النظام، ولن يلاحظ العامة إلا عندما يتأخر صدور شيكات الضمان الاجتماعي أو تغلق مستشفيات المحاربين القدامى.

بداية الصحوة؟

أظهرت جائحة كوفيد-19 هشاشة أنظمة البطالة وبطء موافقات الـ FDA، مما جعل بعض الأمريكيين يدركون، ولو مؤقتًا، أهمية الجهاز الحكومي. لكن هل سيدوم هذا الإدراك؟ عندما تتحول شعارات "تقليص الحكومة" إلى تأخير في استحقاقات الضعفاء، ربما يفهم الناس أخيرًا أن الخدمة العامة ليست العدو، بل هي العمود الفقري للعقد الاجتماعي.

قوة القصص الإنسانية

إن عبارة زميلتي "كنت أحب مساعدة الناس"، والقرض الدراسي الذي غير حياة معظم الأمريكيين، هما أقوى من أي تنظير. والسؤال الأكبر: عندما يهاجم المجتمع العاملين الذين يحافظون عليه، من سيدفع الثمن في النهاية؟ وكيف يمكن أن تنظر زميلتي إلى عملها بعد التقاعد؟ إن هذه الأسئلة هي الترياق الوحيد ضد مقولة "الحكومة هي المشكلة".

مسيرتي اكتملت بفضل برامج الحكومة

لقد اشتركت في أول منزلين في حياتي بقروض الإسكان الفيدرالية (FHA) التي خفّضت دفعة المقدم وفائدة الرهن. وبعد عقود، حين فقدت عملي قبل 11 شهرًا فقط من استحقاقي لبرنامج Medicare، قدم لي قانون الرعاية بأسعار معقولةACA غطاء صحياً مؤقتًا حتى عدت إلى عمل صحفي في ديترويت.

واليوم، أنا وزوجتي بلغنا سن التقاعد الكامل، ونستلم مدفوعات الضمان الاجتماعي بانتظام كالساعة، مما يساعدنا على الاستعداد للمرحلة المقبلة. نحن بالفعل مسجلون في الجزء أ من Medicare، وقريبًا سنعتمد كليًا على هذا البرنامج لتغطية نفقاتنا الصحية.

لكننا نادرًا ما نسمع هذه النجاحات في الخطاب العام. وبدلاً من ذلك، يتم تصوير "التدخل الحكومي" كشبح يهدد الحرية الفردية. والسؤال الأخلاقي هو: هل نفضل مجتمعًا يتشارك المخاطر عبر برامج جماعية، أم نترك كل فرد يواجه مصيره وحده؟

تخيلوا لو اختفت هذه البرامج فجأة! كم من الأسر ستنهار؟ إن هذه التجربة الذهنية كفيلة بكسر الصورة النمطية عن "الحكومة المتضخمة".

ووراء كل هذه الخدمات يوجد موظفون حكوميون يعملون يوميا وفق قواعد وإجراءات مصممة لتطبيق البرامج بعدالة واتساق على عدد هائل من السكان يبلغ 340 مليون نسمة. وهذا مهم للأسباب التالية:

البنية التحتية الخفية

البيروقراطية كـ"آلة العدالة"
الموظفون الحكوميون ليسوا مجرد أرقام؛ بل هم بشر يطبقون القوانين التي يسنها السياسيون. وعندما تسمع شكوى عن "بطء الإجراءات"، تذكر:

وعندما تُقطع التمويلات أو تُسرَّح العمالة، فالنتيجة ليست فقط "توفيرًا للمال"، بل  يصبح الأغنياء قادرين على شراء بدائل خاصة، بينما يعتمد الفقراء يعتمدون على الخدمات العامة.

وفي النهاية هل نريد مجتمعا بلا هذه الشبكة؟

إن الحكومة ليست كيانًا مجردًا؛ إنها ملايين الموظفين الذين يضمنون أن الماء نظيف، وأن الطائرات آمنة، وأن كبار السن لا يموتون جوعًا. وقبل أن نطلق شعارات مثل "الدولة العميقة"، ربما يجب أن نسأل: من سيملأ هذا الفراغ إذا اختفت هذه الخدمات؟

المصدر: USA Today

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا