انطلقت إذاعة صوت أمريكا بعد 8 أسابيع من بيرل هاربر. وفي أول بث لها، قال الصحفي ويليام هارلان هيل بالألمانية في الأول من فبراير عام 1942: "ننقل لكم أصواتًا من أمريكا". وأضاف: "اليوم، ويوميًا من الآن فصاعدًا، سنتحدث إليكم عن أمريكا والحرب. وقد تكون الأخبار جيدة لنا، وقد تكون سيئة. لكننا سنخبركم بالحقيقة".
على مدار 83 عامًا منذ ذلك الحين، كانت إذاعة صوت أمريكا تصل لجميع أنحاء العالم، وقوة خلال الحرب العالمية الثانية والعقود التي تلتها. ولم يستطع أدولف هتلرأو جوزيف ستالين أو ماو تسي تونغ أو الخميني إسكاتها.
لكن دونالد ترامب أسكت صوت الإذاعة. فلأول مرة منذ عام 1942، توقفت إذاعة صوت أمريكا عن البث، بعد أن أوقف ترامب تقريباً جميع موظفيها البالغ عددهم 1300 موظف، عن العمل. كما أغلقت الإدارة إذاعة أوروبا الحرة/ راديو الحرية وإذاعة آسيا الحرة الشقيقتين لإذاعة صوت أمريكا.
ووصف هو شي جين، وهو من دعاة الحزب الشيوعي الصيني ورئيس تحرير صحيفة غلوبال تايمز السابق، إغلاق إذاعة صوت أمريكا بأنه "خبر عظيم"، أما في إيران، فقالت وكالة الأنباء الحكومية "تابناك": "أغلقت إدارة ترامب وسيلة الإعلام المعادية لإيران". علما أن إذاعة صوت أمريكا، التي تضم غرفة أخبارها نحو 100 متحدث باللغة الفارسية، وصلت إلى قاعدة جماهيرية على وسائل التواصل الاجتماعي بلغت 9.5 مليون متابع في إيران، وتبثّ الأخبار على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع عبر الأقمار الصناعية وشبكات VPN.
كانت إذاعة صوت أمريكا تفتخر بجمهور أسبوعي يبلغ نحو 360 مليون شخص في نحو 50 لغة، مما يشير إلى الاستسلام الكامل "للـقوة الناعمة" الأمريكية، والنفوذ المكتسب على مدى عقود من الزمن باستخدام وسائل أخرى غير الحرب. فهل من الحكمة إسكات هذا الصوت؟
لكن ما السبب الحقيقي وراء إغلاق الإذاعة؟
إن السبب في إسكات هذه الإذاعة هو شكوى المحافظين من تحيّزها المزعوم للحزب الليبرالي، مع أن هذه الحالات، كما أوضح زميلي ماكس بوت، قليلة نسبيًا. ومع ذلك كانت الإذاعة تُعالج التحيز تحت إدارة مديرها الحالي، مايكل أبراموفيتز، الرئيس السابق لمنظمة فريدوم هاوس المؤيدة للديمقراطية. وهناك حجج تبرر أن الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي، المنظمة الأم لإذاعة صوت أمريكا، أصبحت زائدة عن الحاجة وينبغي تقليصها. لكن إذاعة صوت أمريكا نفسها لا تُكلف دافعي الضرائب سوى 270 مليون دولار سنويًا، وهي طريقة فعّالة للغاية لتعزيز النفوذ الأمريكي.
لكن الدول الأخرى تنفق المليارات على قنواتها الدعائية، حيث يُعتقد أن الصين تنفق مليارات الدولارات في إفريقيا وحدها عبر قنواتها الدعائية، مثل شبكة تلفزيون الصين الدولية (CGTN) ووكالة أنباء شينخوا وصحيفة تشاينا ديلي. كما تنفق إيران مئات الملايين من الدولارات سنويًا على دعايتها الرسمية. وكذلك تفعل روسيا، من خلال قنوات دعائية مثل RT وSputnik.
وتقول كاري ليك، المرشحة الفاشلة لمنصب حاكم ولاية أريزونا وعضو مجلس الشيوخ الأمريكي التي عينها ترامب "مستشارة أولى" لوكالة الإعلام العالمي الأمريكية: "إن الوكالة فاسدة وخطرة على الأمن القومي ومكسورة بشكل لا يمكن إصلاحه وغير قابلة للإنقاذ".
ومنذ تعيينها الشهر الماضي، أجرت ليك مقابلات مع وسائل إعلام يمينية متطرفة مثل إيبوك تايمز ونيوزماكس، وبودكاست ستيف بانون ومات جيتز. وكانت منشوراتها على X عبارة عن سيل من الهجمات الحزبية والشتائم، مع الشكوى من أن إذاعة صوت أمريكا حزبية وتدين باستمرار "وسائل الإعلام التقليدية".
هل يعتقد ترامب حقا أنه قدم خدمة للولايات المتحدة بإسكات إذاعة صوت أمريكا؟
المصدر: واشنطن بوست