ودانيال ديفيس هو زميل مخضرم وخبير عسكري في أولويات الدفاع، ومقدم متقاعد في الجيش الأمريكي شارك في 4 مهام قتالية، وله برنامج Daniel Davis Deep Dive على موقع "يوتيوب".
جاء في المقال المنشور على The National Interest:
لا يهم كم عدد الصواريخ بعيدة المدى التي نرسلها إلى أوكرانيا، فهذه وحدها لن تغير أي ديناميكية في ساحة المعركة. تماما، كما لم يحدث أي تغيير بسبب دخول الدبابات الغربية، ومدرعات نقل الجنود، وقطع المدفعية، وأسلحة الدفاع الجوي، وأنظمة "هيمارس"، أو حتى مقاتلات "إف-16". فقد خسرت كييف الحرب.
لقد أغلقت السفارة الأمريكية لدى كييف أبوابها يوم أمس الأربعاء، محذرة جميع موظفيها من "البقاء في أماكنهم" عند انطلاق صفارة الإنذار من الغارات الجوية. وأغلقت السفارة أبوابها بسبب مخاوف من احتمال وقوع هجوم روسي وشيك ضد المبنى الأمريكي بعد التصعيد غير المبرر الذي قام به بايدن للحرب بسماحه باستخدام أسلحة أمريكية بعيدة المدى لضرب عمق الأراضي الروسية. ومن غير الواضح لماذا اختار بايدن في هذا الوقت المتأخر من الحرب، وفي اللحظة الأخيرة من رئاسته، اتخاذ إجراء ينطوي على مخاطر تصعيد الحرب بشكل كبير. مما لا شك فيه أن هذا القرار قد يسفر عن تداعيات خطيرة للغاية وغير ضرورية للولايات المتحدة، في حين يزيد، في الوقت نفسه، من احتمالات هزيمة أوكرانيا.
هو أمر واضح لأولئك الراغبين في النظر من خلال عدسة الواقع. لكن، هناك في الولايات المتحدة من يبدو أنهم يتمتعون بسمعة طيبة على السطح، واشادوا بقرار بايدن بالسماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ "أتاكمس" لمهاجمة أهداف في عمق الأراضي الروسية، حيث خرج الجنرالات السابقون جاك كين وباري مكافري وويسلي كلارك لدعم قرار الرئيس، بل إن كين اشتكى من وجود قيود كثيرة جدا على استخدام الصواريخ.
لقد قدم هؤلاء الجنرالات المؤيدون للحرب أولا نصائح كارثية على شاشات التلفزيون طيلة هذه الحرب، ولنتذكر أنه في سبتمبر 2023، عندما تم الكشف عن فشل الهجوم الصيفي الأوكراني المضاد، أعلن ديفيد بترايوس أن أوكرانيا لا تزال قادرة على التسبب في "انهيار" الدفاعات الروسية. ولكن، وكما كتبت قبل أشهر من بدء ذلك الهجوم، فقد أظهرت أساسيات الحرب أن أوكرانيا ليس لديها تقريبا أي فرصة للنجاح. فكيف يمكن لجنرال سابق رفيع المستوى ألا يفهم هذه الأساسيات، وحتى بعد أشهر من ظهور الفشل بوضوح، أن يستمر في الادعاء بأن الروس سوف ينهارون؟
وفي يوليو 2023، بعد مرور شهر واحد على الهجوم الأوكراني المضاد، وقبل شهرين من ادعاء بترايوس أن قوات زيلينسكي لا تزال قادرة على اختراق الدفاعات الروسية، كتبت مقالا بعنوان "السياسة المسؤولة"، أوضحت فيه أن الهجوم قد فشل. وتابعت أن المسار الأكثر حكمة وعقلانية وأخلاقية لكييف والغرب هو "السعي إلى تسوية تفاوضية تحافظ على أكبر قدر ممكن من الحرية والأراضي لكييف. حيث من شأن إنهاء الحرب الآن أن ينهي الوفيات والإصابات لعشرات الآلاف من المقاتلين الشجعان والأبطال في أوكرانيا من الرجال والنساء، الذين ستحتاجهم كييف لإعادة بناء بلادهم بمجرد انتهاء الحرب".
وأعاود التذكير هنا لا لأثني على نفسي، وإنما لإظهار أن حقيقة الموقف كانت واضحة تماما، سواء قبل الهجوم أو أثناءه أو بعده. ومع ذلك، تجاهلها كبار الجنرالات في الولايات المتحدة، ونصحوا الحكومات الغربية بمواصلة الحرب. تخيلوا كم عدد الرجال الأوكرانيين الذين كانوا سيظلون على قيد الحياة اليوم لو اعترف بايدن بالحقائق العسكرية الأساسية في صيف عام 2023 وسعى إلى تسوية تفاوضية.
اليوم أصبحت الحقيقة أكثر وضوحا.
ولا يهم كم عدد الصواريخ بعيدة المدى التي نرسلها إلى أوكرانيا، فهذه وحدها لن تغير أي ديناميكية في ساحة المعركة. تماما، كما لم يحدث أي تغيير بسبب دخول الدبابات الغربية، ومدرعات نقل الجنود، وقطع المدفعية، وأسلحة الدفاع الجوي، وأنظمة "هيمارس"، أو حتى مقاتلات "إف-16". فقد خسرت كييف الحرب ونقطة. والاستمرار في تجاهل الواقع، والاستماع إلى الجنرالات، من المؤكد أنه سيزيد من التكلفة النهائية لخسارة الحرب بالنسبة لأوكرانيا. ومع ذلك، فإن ما يفعله بايدن الآن أسوأ وأدل سبيلا، فهو يخاطر بتوسيع رقعة الحرب، ما قد يجر الولايات المتحدة إلى صراع مباشر مع روسيا.
وكانت روسيا واضحة في تصريحاتها بأن إدخال صواريخ أمريكية أو غربية بعيدة المدى في الحرب ضد روسيا من شأنه أن يمثل تورطا مباشرا من الغرب ضد روسيا ويفرض عليها "ردا". ووفقا لتقارير إخبارية، فقد وقعت مثل هذه الهجمات الآن، وربما كان هذا هو السبب وراء إخلاء الولايات المتحدة لسفارتها صباح يوم أمس، خوفا من أن تتصرف روسيا بناء على تهديدها.
إن المخاطرة بتوسيع رقعة الحرب من خلال السماح باستخدام أسلحتنا بعيدة المدى ضد روسيا هي مجازفة متهورة إلى أقصى الحدود، لا سيما أن هذا يشكل خطرا استراتيجيا كبيرا يتمثل في الانجرار إلى حرب. لقد انتُخِب ترامب جزئيا من قبل الشعب الأمريكي لأنه تعهد بإنهاء الحرب في أوكرانيا. ومن خلال اتخاذ هذه المخاطرة العبثية قبل شهرين من نهاية ولايته، قد يدمّر بايدن أي فرصة قد تكون لدى ترامب لتحقيق السلام.
يتعين على أشد أنصار بايدن أن يطالبوه على وجه السرعة بوقف هذه الحملة التحريضية قبل فوات الأوان. يجب أن يكون أمن بلادنا أولوية لجميع الأمريكيين.
المصدر: The National Interest