لن يتسامح أي من الجانبين مع التنازلات الضرورية حتى تمارس الولايات المتحدة ومصر وقطر نفوذها الكبير؛ حيث انتهت جولة أخرى من محادثات وقف إطلاق النار وتحرير الرهائن في الدوحة، بخيبة أمل. والسبب أن نتنياهو لن يقبل أي اتفاق يمكن أن يظهر حماس منتصرة، ولذلك قيّد الوسطاء الإسرائيليين بشروط يستحيل أن تقبلها حماس.
والظاهر أن هناك اعتبارات أخرى، بعيدة عن جوهر الاتفاق. فالإسرائيليون شعروا بإذلال كبير وخاصة على مستوى القادة والجيش في هذه الحرب على غزة والتي تبدو انتقاما من غزة، لكنها تحمل عواقب استراتيجية كبرى على إسرائيل والشعب الفلسطيني ودول المنطقة والقوى الكبرى في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
إن أي اتفاق ينهي الحرب في غزة ويؤدي لانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع ويطلق سراح السجناء الفلسطينيين يعتبر انتصارا لحماس. ولذلك فإن المفاوضين الإسرائيليين لن يوافقوا على الانسحاب الكامل، بل يطالبون بوجود عسكري شبه دائم بين غزة ومصر. ويطالب نتنياهو بحق النقض على السجناء الذين سيتم إطلاق سراحهم في الصفقة، وترحيل المحكومين بأحكام مؤبدة خارج فلسطين مدى الحياة. ولن تقبل حماس طبعا بهذه الشروط.
ومن الصعب أيضا أن نتصور أن نتنياهو قد يعقد أي صفقة مع حماس قبل القضاء على قادتها. ومنهم يحيى السنوار؛ ولكن من المرجح أن يكون الرهائن الإسرائيليين محيطين بالسنوار، وإذا وقع قتال مميت بين القوات الإسرائيلية وقوات حماس لتحرير الرهائن فقد يتسبب بمقتل المزيد منهم، لاسيما إذا تم القضاء على السنوار أثناء العملية.
أما بالنسبة لمعظم شعب إسرائيل فالمعنى الحقيقي للنصر هو عودة الرهائن المتبقين في غزة. لكن نتنياهو وضع هدفه المستحيل في المفاوضات؛ وهو تحقيق النصر قبل عودة الرهائن سالمين، ناسيا التزام إسرائيل الأخلاقي سابقا وهو "عدم ترك أي شخص خلف الركب". ويتذكر العالم بأسره كيف أفرجت إسرائيل في عام 2011 عن 1027 سجينا فلسطينيا مقابل جندي إسرائيلي واحد. ويبدو أن هذه الأخلاق تحمت الآن.
إن فرص نجاح المفاوضات بين إسرائيل وحماس تتوقف على مدى النفوذ الذي قد يبدي الوسطاء استعدادهم لاستغلاله لصالح الجانبين مع استئناف المحادثات الأسبوع المقبل. فالولايات المتحدة تتمتع بقدر كبير من النفوذ على إسرائيل، سواء من خلال الغطاء السياسي أو من خلال وقف تدفق القنابل إلى إسرائيل لتسقطها على غزة. وتتمتع كل من مصر وقطر بقدر كبير من النفوذ على حماس: إذ يتخذ بعض قادة حماس من الدوحة مقرا لهم، في حين عمل معبر رفح كشريان حياة لقطاع غزة. وتشير التقارير إلى وجود 160 ألف فلسطيني نجوا من أهوال الحرب في غزة، والذين تجاوزوا مدة إقامتهم في مصر. وهذه نقطة أخرى من النفوذ على حماس، أو على الشعب الفلسطيني.
باختصار يجب أن تنتهي هذه الحرب بعد أن سالت كل هذه الدماء لأنه لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع. ولابد من مسار آخر يبدأ بانسحاب إسرائيل من غزة وعودة الرهائن وإنشاء حدود آمنة بين غزة ومصر. ثم يتبع ذلك حكومة فلسطينية شرعية وانتخابات إسرائيلية جديدة، ثم عملية سلام إقليمية تؤدي لحل الدولتين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وضمان الحرية والسلام لجميع الأطراف.
المصدر: The Guardian