في عام 2023، علّقت موسكو المعاهدة الجديدة للحد من الأسلحة الاستراتيجية (ستارت الجديدة)، وانسحبت من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا (CFE)، وألغت التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBT)، وربطت استئناف الحد من الأسلحة النووية بتغيير السياسة الأمريكية تجاه روسيا. وأعلنت نقل أسلحة نووية غير استراتيجية إلى بيلاروسيا، مما وضع العالم على شفا حرب باردة أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، أوصت لجنة الوضع الاستراتيجي التابعة للكونجرس الأمريكي بقدرات نووية إضافية لمواجهة الزيادة المتوقعة في الرؤوس الحربية النووية الصينية من 410 اليوم إلى أكثر من 1500 بحلول عام 2035. وانتهى الاجتماع التحضيري لمؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في أغسطس 2023 دون ملخص واقعي مشترك.
وتتراوح أسباب هذا الواقع بين المناخ الجيوسياسي المتغير، والتوسع السريع في ترسانة الصين النووية، والإبداعات التكنولوجية، مثل الأسلحة التقليدية بعيدة المدى، إلى الاستقطاب السياسي الداخلي في الولايات المتحدة. وفي ظل هذه الظروف، والتي تشمل الاهتمام المتزايد بالردع النووي في أوروبا، والشرق الأوسط، وآسيا، فإن الهدف الأول للحد من الأسلحة لابد أن يتلخص في تقليل خطر التصعيد العسكري غير المقصود، وخاصة بين القوى النووية.
لذا فمن المستحسن اتخاذ التدابير التالية:
- ضبط النفس في المناورات، وتحركات القوات، والانتشار في منطقة الاتصال بين حلف شمال الأطلسي وروسيا
- خطوات لمنع سباق التسلح بصواريخ INF الجديدة في أوروبا
- إعادة التأكيد على المحرمات النووية على أعلى المستويات السياسية
- الحفاظ على قنوات المجتمع المدني واستخدامها للحوار للتعرف على الدوافع الكامنة وراء الخطاب النووي، والتغيرات في العقيدة النووية
إن مجلس الناتو-روسيا غير متاح حاليًا كشكل للحد من المخاطر، وهو معلق في المستقبل المنظور. ومن ناحية أخرى، فإن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا مشلولة ولكن يمكن استخدامها في المستقبل لتوفير معلومات حول المواقع الدفاعية والمذاهب العسكرية. ومن المنطقي أيضا مناقشة المخاطر النووية من خلال الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي ستترأسها الصين في أغسطس/آب 2024.
وحتى لو لم تؤد هذه الخطوات إلى اتفاقيات الحد من الأسلحة، فإنها قادرة على تمهيد الطريق لإحراز تقدم في المستقبل، واستكمال اتفاقيات أخرى، مثل وقف إطلاق النار في أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تستمر الدعوات الأكثر تقليدية للعودة إلى التنفيذ الكامل لمعاهدة ستارت الجديدة أو مناقشة الاتفاقيات البديلة المحتملة.
وما يزيد الطين بلّة أن هناك جوقة متزايدة من الأصوات في روسيا، وكذلك في الولايات المتحدة، والصين، وأوروبا، تدعو إلى خوض المزيد من المجازفات من أجل زيادة فرص تأكيد مصالحها. وفي المستقبل المنظور، فإن مساحة الحد من التسلح ستتحدد حسب متطلبات الدفاع والردع. وهذا ليس بالأمر غير المعتاد عندما تتم إعادة توازن القوى العالمي.
تعارض موسكو، في الوقت الحاضر، تجزئة القضايا الاستراتيجية النووية لأنها ترى أن المسار الغربي المحتمل لأوكرانيا يشكل تهديداً استراتيجياً. ولذلك يتعين على الغرب أن ينسحب من أوكرانيا، تماماً كما أزال السوفييت صواريخهم النووية من كوبا.
في النهاية على جميع الأطراف إدراك خطورة الأمر الواقع، لاسيما أن الحد من التسلح لم يكن حكرًا على الأصدقاء أبدًا، بل كان ولا يزال للواقعيين، وهذا هو ما ينبغي أن يكون.
المصدر: ناشيونال إنترست