ذلك على افتراض أن الانتخابات قد جرت بنزاهة وشفافية، ولم يضف الديمقراطيون أي أصوات عن طريق البريد أو بأي من الوسائل الجدلية الأخرى المعروفة في النظام الانتخابي الأمريكي.
على الرغم من الأزمة الاقتصادية الشديدة والمتفاقمة بالفعل، وعلى الرغم من حقيقة أن 73% من الأمريكيين غير راضين عن الطريقة التي تسير بها الأمور في البلاد، لم يكتف الديمقراطيون بعدم تكبّد هزيمة ساحقة في انتخابات الكونغرس، بل وفازوا أيضا بمجلس الشيوخ!
الاعتقاد السائد أن الانتخابات الأمريكية دائما ما يحددها الوضع الاقتصادي، وقد صادفت تقييما مفاده أن الحزب الحاكم الذي ينمو الاقتصاد في فترة حكمه بنسبة أقل من 2% دائما ما يخسر الانتخابات الفدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية، على الأقل الانتخابات الرئاسية. يبدو أن هذا التقييم لم يعد صحيحا.
حتى التصنيف الشخصي لجو بايدن ظل عند حوالي 40%، وهي نسبة مرتفعة بالنظر إلى خرفه الواضح وشيخوخته والوضع الاقتصادي المتدهور.
كل ذلك يشير إلى أن السبب ليس موقف "مع الديمقراطيين"، بقدر ما هو موقف "ضد الجمهوريين". وليس ذلك ضد دونالد ترامب شخصيا بشكل كبير، وهو الذي لم يتنازل رسميا بعد عن لقب المرشح الرئيسي من الجمهوريين لرون ديسانتيس، بقدر ما هو ضد البديل الجمهوري ككل، والذي يُنظر إليه كشيء غريب، ولا يمكن الانضمام إليه تحت أي ظرف من الظروف.
أعتقد أن الجانب العنصري هنا، وإن لم يكن الجانب الرئيسي، فإنه أحد الجوانب الرئيسية.
لقد أعلنت عن رؤيتي، قبل عامين أو ثلاثة، أن جو بايدن سيكون الرئيس الأبيض الأخير في الولايات المتحدة الأمريكية، وأن الانتخابات الرئاسية لعام 2020، هي آخر انتخابات يمكن أن يفوز فيها مرشح للحزب الجمهوري (في شكله الحالي، أي الحزب الأبيض المحافظ).
قبل الانتخابات الأخيرة، بدا أن الأزمة الاقتصادية المتزايدة بسبب ارتفاع عدد غير الراضين عن الحكومة الحالية قد تمنح الجمهوريين فرصة أخيرة. ومع ذلك، تبين أن التحوّل في التفضيلات السياسية للسكان ضئيل بشكل مدهش.
في هذه الانتخابات، كانت هناك معلومات حول هجرة الناخبين من أصول أمريكية لاتينية من الديمقراطيين إلى الجمهوريين، وذلك ممكن تماما. فالأمريكيون اللاتينيون يتعاطفون مع اليسار، وقد أزيل زعماء اليسار من الحزب الديمقراطي من السلطة بعد فوز بايدن، أي أن الديمقراطيين أثبتوا أنهم ليسوا أقل بورجوازية من الجمهوريين، إضافة إلى ذلك، أتوقع أنه من الممكن أن ينتقل الأمريكيين اللاتينيين إلى معارضة الحكومة الحالية بشكل أسرع من غيرهم، إذا ما ساء الوضع الاقتصادي.
ومع ذلك، فحتى ذلك، كما نرى، لم يساعد الجمهوريين. فلا يمكن التوفيق بين المعسكرات المتعارضة بشكل كبير، والعوامل الانتهازية ليست ذات أهمية كبيرة، والبديل عن القوة السياسية (العرقية "المحلية") غير مقبول من حيث المبدأ.
ماذا بعد؟
أظن أنه إذا لم نصل إلى ذروة الأزمة الاقتصادية بحلول الانتخابات الرئاسية لعام 2024، فعندئذ على الأقل سنكون بالفعل في مرحلتها الحادة، أي سيتدهور الوضع أسوأ بكثير مما هو عليه اليوم.
وبطبيعة الحال، فإن ذلك سيزيد من المزاج الاحتجاجي، وسيحصل الجمهوريون على أصوات كان من المستحيل أن يعتمدوا عليها في وضع مختلف.
ربما سيفوز المرشح الجمهوري، إلا أن الأزمة لن تنتهي عند هذا الحد، بل على العكس، سيستمر الوضع في التدهور. وسيكون هناك انهيار عام وأعمال شغب ولا شعبية مطلقة وتشويه لمصداقية السلطات.
كما أعتقد أنه مع فوز الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، وإذا استمر الوضع بالتطور بشكل دستوري، فإن الانتخابات النصفية المقبلة في عام 2026، ستحقق للمعارضة نصرا مطلقا. وسينتقل انحياز الأصوات من الصيغة المألوفة 48-52% إلى أغلبية 70% لصالح الديمقراطيين مقابل 30% لصالح الجمهوريين.
وأعتقد أن اللعبة الشعبية الأخيرة المتمثلة في عزل الرئيس ستحقق النتائج المرجوة منها أخيرا، وسيخسر الجمهوريون السلطة، وهذه المرة إلى الأبد.
وحتى بعد ذلك لن تنتهي الأزمة الاقتصادية، وسيستمر استياء السكان في النمو. ومع ذلك، على المستوى الفدرالي، لن يحظى الجمهوريون، أو بالأحرى المحافظون البيض، بأي فرصة. وبغض النظر عن خطورة الوضع الاقتصادي، فإن التركيبة السكانية ستحول التوازن من 50/50 المهتز، إلى 60/40 لصالح الديمقراطيين إذا ما ظل الحزب موحدا.
ومع ذلك، فعلى مستوى بعض الولايات، سيكون الوضع أكثر تنوعا، وسيكتسب المحافظون البيض، علاوة على ذلك المحافظون البيض المتطرفون، السلطة هناك، وسيزداد الترسيم العنصري، وهجرة السكان إلى ولاياتهم "الخاصة" العنصرية. ثم ينتقل الصراع السياسي إلى مستوى "ولايات ضد المركز"، وسيكون صراعا شرسا غير قابل للحل. وحينها يمكن وداع وحدة الوطن، ليصبح التفكك مسألة وقت.
فإذا أصبح الرئيس في عام 2024 ديمقراطيا، سيبدأ الصراع بين المركز والولايات في وقت مبكر، وإن كان بدرجة أقل إلى حد ما.
حتى لو أدى التصويت الاحتجاجي بسبب الأزمة إلى تقريب الجمهوريين إلى السلطة، على أي حال، فإن الخط الاستراتيجي للعقود القادمة هو ضياع فرصة الجمهوريين للفوز على المستوى الفدرالي، وتزايد الانقسام العرقي والمواجهة، وبداية صراع مرير بين المركز وائتلاف المناطق "البيضاء".
حينها ستكسب الأزمة الاقتصادية تلك العملية حدتها وراديكاليتها.
أعتقد أن الحرب المحتملة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، وإمكانية فرض حالة الطوارئ في الولايات المتحدة وإلغاء الانتخابات، لا يمكن أن تغير مسار العملية التاريخية، على الرغم من إمكانية تغييرها، بشكل طفيف، لتوقيت الأحداث.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف