في سبتمبر الماضي، صرح نائب مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ديفيد كوهين بأن شي جين بينغ قد أصدر تعليماته للجيش الصيني بالاستعداد لفرض السيطرة العسكرية على تايوان بحلول عام 2027. وبحلول العام نفسه، يخطط شي جي بينغ لتحويل القوات المسلحة في البلاد إلى "جيش من الطراز العالمي".
هناك عدد من الدلائل الأخرى التي تشير إلى أن الصين تستعد لعملية في تايوان. من بينها، على سبيل المثال، تعيين قائد المنطقة العسكرية الشرقية (واقعيا، القوات التي ستنفذ العملية التايوانية مباشرة) نائبا لشي جين بينغ في المجلس العسكري المركزي.
كل ذلك يحدث على خلفية هزيمة اللوبي الموالي للولايات المتحدة الأمريكية في الصين، وانتصار "حزب الحرب" بقيادة شي جين بينغ في المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي، الأمر الذي يوفر الظروف السياسية الداخلية للازمة لعملية عسكرية.
في الوقت نفسه، لا تهتم الصين ببدء الصراع في وقت مبكر، طالما أنها تتأخر على المستوى العسكري عن الولايات المتحدة وحلفائها.
إضافة إلى ذلك، من المتوقع إجراء انتخابات في تايوان مايو 2024 تقريبا، وفيها ربما يتولى السلطة الحزب المؤيد للصين، ما يجعل الوحدة السلمية مع الصين أمرا مرجحا للغاية.
لذلك، فمن غير المستغرب أن يكون رد فعل الصين بهدوء على زيارة بيلوسي العجوز المجنونة إلى تايوان، بينما وعدت الصين برد سريع وخاطف في غياب تحرك حقيقي.
أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تحاول إثارة صراع من خلال دفع تايوان لإعلان استقلالها قبل أو بعد الانتخابات التايوانية مباشرة، اعتمادا على اصطفاف القوى المحلية. ومع ذلك، فيبدو لي رد فعل الصين، حتى في هذه الحالة، لن يكون قائما على العواطف. أي أن بكين ستكتفي بالكلمات، وتؤجل الفعل حتى وقت مناسب.
ومع ذلك، أعتقد أن الصدام العسكري بين واشنطن وبكين سيبدأ قبل عام 2027، وربما حتى قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولن يكون بالضرورة متعلقا بتايوان. وعلى الأرجح لن تكون الصين هي البادئة، وإنما الولايات لمتحدة الأمريكية.
فهناك عاملات يمكن أن يقرّبا الحرب بشكل كبير.
التناقضات المتزايدة مع الولايات المتحدة ومثال تجميد الاحتياطيات الروسية يتطلبان من الصين أن تسحب بشكل عاجل 970 مليار دولار من احتياطياتها من سندات الحكومة الأمريكية. وسرعة سحب محدودة فقط بسبب عدم وجود بديل لسوق السندات الحكومية الأمريكية فائقة الحجم، حيث لا يوجد مكان في العالم لاستثمار تريليون دولار بسرعة.
ومع ذلك، وبسبب رفع سعر الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفدرالي، فإن أشد أزمة للديون في العالم تتكشف، حيث جف تدفق القروض الدولارية، وفي عام 2023، لن يكون لدى عدد من البلدان حول العالم ما يكفي من المال لسداد ديونها الخارجية. على النقيض من ذلك، سيكون لدى الصين الكثير من الدولارات لتنفقها بشكل عاجل.
وسينشأ وضع يسمح للصين أن تشتري نصف العالم بثمن بخس، وتتخلى عن احتياطياتها من الدولار في شكل قروض للدول النامية على خلفية بخل الولايات المتحدة.
سيؤدي ذلك إلى تغيير صورة العالم بشكل كبير، بما في ذلك، ربما، بدء انتقال هذه البلدان إلى اليوان في التجارة، ما سيؤدي إلى القضاء على الدولار.
بطبيعة الحال، ستحاول الولايات المتحدة الأمريكية منع ذلك.
لكن الأمر الرئيسي هو أن حصار الغرب للنفط والغاز الروسي يخلق نقصا في الطاقة في العالم. وقد فشلت محاولات أوروبا للتحول السريع إلى مصادر طاقة أخرى. ودول الخليج ليست مستعدة للتضحية بعقود طويلة الأجل مع آسيا من أجل إمدادات تستمر لعام أو عامين إلى أوروبا، التي تخطط بعد ذلك للتخلي عن الطاقة الأحفورية على أي حال.
علاوة على ذلك، هناك مسألة السعر. أوروبا تناقش سقفا للأسعار ليس فقط بالنسبة لروسيا، وإنما كذلك لأي نفط وغاز. وبطبيعة الحال، مع مطالبات كهذه، فإن أوروبا تواجه خطر أن تظل بدون نفط أو غاز.
وقد صرح وزير الطاقة القطري سعد الكعبي بأن قطر قد تتوقف عن إمداد أوروبا بالغاز إذا قرر الاتحاد الأوروبي فرض سقف سعري.
لتصبح الطريقة الوحيدة لحل مشكلة الطاقة بشكل أساسي بالنسبة لأوروبا هي قطع الإمدادات من الخليج إلى الصين، ما سيجبر الخليج على إمداد أوروبا بموارده بأسعار منخفضة. على أي حال، لا مفر من فرض حصار تجاري غربي على الصين، وسيكون هذا هو الشكل الرئيسي للعمل العسكري ضد الصين، فلم لا يقوم الغرب بذلك عاجلاً لا آجلاً؟
سيكون الشتاء القادم على الأرجح صعبا على أوروبا. وبعد انسحاب القوات الروسية من خيرسون، يمكننا أن نتوقع استقرار خط المواجهة لبعض الوقت وتحولا في التركيز لصالح حرب الاستنزاف، بما في ذلك عن طريق قطع أو خفض إمدادات الطاقة الروسية إلى أوكرانيا والغرب بشكل كبير.
بحلول الربيع، ستكون أوروبا على استعداد لفعل أي شيء من أجل الطاقة الرخيصة، بما في ذلك الحصار البحري للصين، أو على أقل تقدير فرض حظر على إمدادات النفط والغاز إلى الصين، قياسا بالعقوبات المفروضة ضد روسيا.
اسمحوا لي كذلك بتذكيركم أنه خلال الحرب العالمية الثانية، اضطرت اليابان لبدء الأعمال العدائية ضد الولايات المتحدة الأمريكية بسبب حقيقة أن واشنطن فرضت حظرا نفطيا على طوكيو. وكانت اليابان في ذلك الوقت، مثل الصين الآن، تعتمد بشكل كامل على استيراد الموارد، وكان الحظر يعني موتا بطيئا لاقتصاد البلاد بمرور الوقت. لذلك فالعقوبات النفطية، وفي الواقع الحظر المفروض على الصين، الذي سوف تعززه أساطيل مجموعة "أوكوس" AUKUS لن يترك لبكين أي خيار سوى التصعيد العسكري.
يدلي المسؤولون التايوانيون بتصريحات مفادها أن "غزوا" صينيا قد يبدأ قريبا، وهو ما يشي بإعداد الرأي العام العالمي في الاتجاه الذي تحتاجه الولايات المتحدة.
تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية إلى بدء الصراع في أسرع وقت ممكن، فالغرب يغرق بشكل أسرع وأعمق في أزمة اقتصادية، وفي غضون عامين قد لا تكون الولايات المتحدة قادرة على محاربة الصين. إضافة إلى ذلك، يتناقص يوميا عدد الغربيين الذين يؤمنون بـ "تضخم بوتين"، في الوقت الذي تحتاج فيه النخب الحاكمة في الغرب إلى كبش فداء، يمكن بسببه أن يكون هناك انخفاض في مستوى معيشة المواطنين الغربيين، والصين نموذجية لهذا الدور.
والسبب الأخير هو أن الولايات المتحدة الأمريكية محكومة الآن رسميا برئيس يمكن تحميله المسؤولية عن أي شيء، فهو لم يعد يدرك جيدا ما يحدث حوله.
لكن هناك حجة قوية ضد الاندلاع الوشيك للحرب مع الصين هو أن قوة الولايات المتحدة الأمريكية لا تسمح لها بالحرب على جبهتين في وقت واحد. لكن هذا موضوع مقال آخر.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف