أعتقد أن الأمر جد مختلف. فضم الأراضي الأوكرانية سابقا، في حد ذاته، يعد بالنسبة لروسيا تصعيدا كبيرا للمواجهة مع الغرب، وهو بطبيعة الحال ما سيعقد الوضع لروسيا بدلا من تحسينه، بما في ذلك على خط المواجهة.
لذلك، فلا يمكن أن يكون هذا القرار عفويا، لأنه من الضروري اختيار اللحظة الأفضل وليس الأسوأ لمثل هذا القرار، وبالطبع يتطلب ذلك حشدا إضافيا للموارد من أجل المواجهة، ليس مع أوكرانيا بقدر ما هو مع الغرب.
وقد علمنا بخطط إجراء التصويت على ضم الأراضي الأوكرانية السابقة إلى روسيا قبل ذلك بكثير، وتحديدا في أوائل الصيف الماضي، حيث كان من المقرر أصلا إجراء التصويت في 11 سبتمبر. ثم أدى انسحاب القوات الروسية من منطقة خاركوف، وما يسمى بالهجوم المضاد للقوات الأوكرانية إلى تأخيرها قليلا، ولم يكن السبب فيها كما يدعون.
إضافة إلى ذلك، فإن التعبئة غير قادرة على زيادة عدد القوات الروسية بسرعة، في غضون شهر، حيث من المتوقع أن يبلغ الهجوم الأوكراني ذروته، بل ستبلغ ذروة قوة القوات الروسية نتيجة التعبئة في أواخر الشتاء وأوائل الربيع المقبل.
لذلك أعتقد أن أحداث الجبهة لا علاقة لها بالإجراءات المعلنة. وأعتقد أن توسيع أراضي روسيا كان مخططا للتنفيذ، ويتم تنفيذه في الخريف، قبيل الشتاء، حينما ستكون قدرة الغرب محدودة على الاستجابة، بسبب أزمة الطاقة، وعندما ستكون هذه الاستجابة المحتملة مكلفة للغرب نفسه أكثر من أي أحد آخر.
أعتقد أنه إذا لم يقض هذا الشتاء على اقتصاد أوروبا، عندئذ على الأقل سيغرقها في أزمة سياسية عميقة، تبدأ معها عملية تفكك الاتحاد الأوروبي. وسوف يؤدي تصعيد الصراع مع روسيا إلى زيادة أسعار جميع أنواع الطاقة، وتعقيد الوضع في الغرب.
يبدو لي أن التعبئة لا تتم لتكثيف الحرب مع أوكرانيا، وإنما لمنع "الناتو" من الدخول في الحرب، أو للرد عسكريا على هذا الدخول. لذلك، لم يكن من قبيل المصادفة أن يكرس بوتين جزء كبير من خطابه لإجراءات وتهديدات "الناتو".
وأصبح من الممكن التنبؤ بوضوح بلحظة التوسع المحتمل في عدد المشاركين في الحرب بين الولايات المتحدة وروسيا، ألا وهي لحظة الانهيار الاقتصادي لأوكرانيا أو/وهزيمة الجيش الأوكراني. حينها سترمي الولايات المتحدة الأمريكية ببولندا ودول البلطيق ورومانيا، وربما بمزيد من الدول، ومن المحتمل أن يحدث ذلك في ربيع عام 2023.
وسيضع ذلك التوسع في الصراع روسيا أمام خيارين، فإما زيادة أخرى في حجم التعبئة من قبلها، وهو ما ينطوي على مخاطر لا يمكن السيطرة عليها، وغير مرغوب فيها، وإما انتقالها إلى مستوى نوعي جديد من التصعيد باستخدام الأسلحة النووية.
وقد أعلن بوتين في خطابه عن استعداده لاستخدام الأسلحة النووية لضمان وحدة أراضي روسيا، حيث تجدر الإشارة هنا إلى أن العقيدة العسكرية لروسيا تنص على استخدام الأسلحة النووية فقط في حالة وقوع هجوم نووي ضد روسيا أو تهديد وجودي لها. بمعنى أن بوتين قد خفض بشكل كبير عتبة استخدام الأسلحة النووية.
وبدءا حتى من لحظة التعبئة الجزئية، لم يعد من مصلحة روسيا إطالة الحرب، كما كان الوضع من قبل، وإنما إنهاءها في أسرع وقت ممكن، لأن دعم العملية العسكرية من قبل الشعب في ظل التعبئة قد تبدأ في الانخفاض.
وذلك يدفع نحو الحاجة المتزايدة لإسراع روسيا بإسقاط أوكرانيا. إضافة إلى ذلك، يبدو لي أن دخول "الناتو" مباشرة إلى أتون الحرب هو أمر لا مفر منه، وفي ظل هذه الظروف، سيكون من مصلحة روسيا، في رأيي، تعظيم الضرر الذي يلحق بأوكرانيا والغرب.
قد يؤدي الشتاء إلى تجميد خطوط الجبهة حتى الربع، إلا أن ذلك لا يعني انخفاض حدة الأعمال القتالية.
لست متأكدا، لكنني أعتقد أن الجيش الروسي سينتقل قريبا إلى توسيع كبير لأساليب وحجم الحرب ضد أوكرانيا، بما في ذلك تدمير البنية التحتية الحيوية لأوكرانيا.
على أي حال، كل هذا يعني أن روسيا ستمضي حتى نهاية الطريق لتحقيق أهدافها، وسوف تحققها.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف