ربما تكون قد قرأت أيضا كلمات الرئيس الصيني، شي جينغ بينغ، في اجتماعه مع بوتين حول "استعداد الصين مع زملائها الروس تقديم قدوة للقوى العالمية العظمى المسؤولة ولعب دور قيادي من أجل وضع هذا العالم سريع التغير على مسار التنمية المستدامة والإيجابية". تركز الصحافة الروسية على دعم الصين لروسيا، وهو أمر مهم، إلا أنني سأركز على كلمات الزعيم الصيني حول استعداده لقيادة عملية بناء عالم جديد. فبعد أن فقدت الصين ماء وجهها، خلال زيارة نانسي بيلوسي لتايوان، تساور الجميع شكوك حول استعدادها للمواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي بدونها يصعب قيادة أي شيء. ومع هذا، فإن الإعلان عن هذه النوايا في حد ذاته هو علامة جيدة، ننتظر بعدها إجراءات حقيقية.
كذلك، وبطبيعة الحال، لا يسع المرء سوى أن يلاحظ دخول إيران إلى المنظمة، وكلمات الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، حول دعم روسيا وعدم الاعتراف بالعقوبات المعادية لها.
كما أنه من الممكن للمرء أن يلاحظ بفضول ما يجري من اندلاع للقتال على طول الحدود بأكملها ما بين طاجيكستان وقرغيزستان (واللتين ليستا أعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون فحسب، بل هما من مؤسسي المنظمة أيضا)، وذلك في الوقت الذي يشارك فيه رئيسا الدولتين في هذه القمة. لم يكن هناك رد فعل من المشاركين في القمة على هذه الاشتباكات، وربما يأتي رد الفعل اليوم.
من ناحية أخرى، يمكن أن تثير هذه الاشتباكات شكوكا وحقدا تجاه "المنظمة الأمنية"، إلا أنني أعتقد أن الوضع هو عكس ذلك تماما.
فمنظمة شنغهاي للتعاون، كما يبدو لي، تتوافق بشكل دقيق مع "حقبة الدول المتحاربة" القادمة.
فهي إلى حد كبير كيان غير متبلور سياسيا، ولا يفرض أي التزامات على أعضائه، لكنه يسمح لهم بالحصول على القليل، على أقل تقدير، دون بذل الكثير من الجهد.
فهل يعني ذلك أنها منظمة لا داعي لها؟ على العكس من ذلك، ربما تكون هذه الصيغة هي الصيغة الوحيدة لمنظمة دولية التي لا توجد بالفعل فحسب، بل هي أيضا مطلوبة، ولدى هذه المنظمة آفاق كبيرة للتطور.
فنحن نشهد في الوقت الحاضر انحطاطا لجميع المؤسسات الدولية التي تم إنشاؤها نتيجة للحرب العالمية الثانية، ولاحقا في حقبة الحرب الباردة والعالم أحادي القطب. حيث تسيطر الولايات المتحدة وحلفاؤها على تلك المؤسسات في كل مكان: هيئة الأمم المتحدة، منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحتى في اللجنة الأولمبية الدولية، في كل تلك المؤسسات صوت الولايات المتحدة فقط هو الذي يهم.
بل إن الولايات المتحدة دأبت على تفكيك جميع المعاهدات الأمنية المقيدة مع روسيا، وتبذل الآن جهودا لإصلاح الأمم المتحدة لإزالة حق النقض من روسيا.
بشكل عام، لم يعد النظام الحالي للمؤسسات الدولية موجودا، فهي الآن أقسام فرعية للجهاز الإداري للولايات المتحدة الأمريكية، وقد أدى ذلك إلى زيادة الطلب والحاجة إلى إنشاء نظام جديد من المنظمات الدولية التي لا يسودها الإملاءات الأمريكية، ويكون فيها لجميع المشاركين الحق في التصويت.
لا يمكننا تسمية منظمة شنغهاي للتعاون بالكتلة، فهي تضم دولا في حالة تنافس مع بعضها البعض، بل هي نوع من "الأمم المتحدة في قارة أوراسيا"، ومنبر للحوار بين دول ذات سيادة، يمكن من خلالها تطوير حلول وسط. وفي نفس الوقت، فإن وجود أطراف متحاربة (لكنها في الوقت نفسه متعاونة) مثل الهند والصين، وروسيا وتركيا، قرغيزستان وطاجيكستان وهكذا، يضمن غياب احتكار الرأي في اتخاذ القرارات. وذلك في الوقت الذي أعتقد فيه أن هذا النادي لن يضم الولايات المتحدة وحلفاءها الرئيسيين في السنوات المقبلة.
كما أعتقد أن هذه المنظمة لن تقتصر على أوراسيا.
يمكن للمرء أن يتكهن بشكل منفصل حول دور وجدوى وإمكانية الأمم المتحدة على البقاء. اسمحوا لي أن أذكركم بأن عصبة الأمم التي سبقت وجود هيئة الأمم المتحدة، كانت قد طردت الاتحاد السوفيتي من عضويتها عام 1939، بسبب الحرب السوفيتية الفنلندية. الآن يبدو الوضع مشابها، يحتكر الغرب بشكل مماثل هيئة الأمم المتحدة، ولا أستبعد مواصلة جهود واشنطن في حرمان روسيا من حق النقض، وربما من حتى عضويتها في الأمم المتحدة، والمصير نفسه يمكن أن يطال الصين، إذا ما تطورت أزمة تايوان. ومع ذلك، اسمحوا لي أن أذكركم مرة أخرى أن حل عصبة الأمم تم بعد انتصار الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية، وحصل حينها على حق النقض في هيئة الأمم المتحدة القائمة حتى الآن.
وأتوقع أن تتوقف الأمم المتحدة عن أداء وظائفها في حال اندلعت المواجهات المباشرة مع روسيا والصين، والأمور تتجه نحو هذا المسار.
في اعتقادي أن منظمة شنغهاي للتعاون هي الأمم المتحدة المستقبلية، أو على الأقل منظمة عالمية توحد غالبية البشرية، مع وظائف الأمم المتحدة الحالية.
وبهذا الصدد، فإن توسع منظمة شنغهاي للتعاون هو أمر حتمي، وأعتقد أن الدول العربية هي المرشحة الأكثر ترجيحا للمشاركة في الموجة المقبلة من توسعها.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف