لكن أولا، لنبدأ بخلفية الأحداث.
في نوفمبر المقبل، تجري في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين انتخابات مصيرية للحزب الديمقراطي الأمريكي وشي جين بينغ. ومن يرضخ في هذه المواجهة التي بدأت بالفعل، يواجه حكما على نفسه بالخسارة في الداخل، بل والخسارة النهائية. أي أن التنازل وفقدان ماء الوجه هنا هو أمر غير مقبول بالنسبة للطرفين.
الوضع الاقتصادي في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين على وشك الانهيار. فمعدل التضخم يرتفع في الولايات المتحدة، وتسببت محاولة مكافحته بالفعل في ركود اقتصادي هناك. ومن المحتمل أن يؤدي رفض هذه المكافحة إلى تضخم مفرط في الولايات المتحدة العام المقبل، أو بعد عام على الأكثر، بالتزامن مع عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية.. في الصين، بدأت أزمة العقارات، وقد اندلعت بالفعل أولى الاحتجاجات.
إذا كان الانهيار الاقتصادي أمرا لا مفر منه، فلا جدوى إذن من التشبث بالعلاقات التجارية القديمة، ولا يجب على المرء أن يبحث عن مخرج، وإنما عن كبش فداء، يصلح لإلقاء اللوم عليه من أجل البقاء في السلطة. ولم تعد محاولات إلقاء اللوم على بوتين في شكل "ضريبة بوتين في محطات الوقود" و"تضخم بوتين" مقنعة للغاية، أما الحرب مع الصين فيمكن أن تفسر المصاعب على أي نطاق.
من أجل تحقيق الأهداف السياسية المحلية، أثبتت النخبة الأمريكية أنها مستعدة ليس فقط لإحراق بقية العالم، وإنما لإحراق الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. فبعد "رشا غيت"، وأعمال الشغب التي يقودها الديمقراطيون منذ "حياة السود مهمة"، وتنصيب بايدن تحت حماية الجيش، أصبحت مستعدا لاستقبال أي درجة من عدم اتزان ورعونة الإدارة الأمريكية. فما من شيء لم تعد النخبة الأمريكية على استعداد للقيام به في الصراع على السلطة، خاصة في ساحة ثانوية مثل هذه: الساحة الخارجية.
على الجانب الصيني، لا يسهم السيطرة على تايوان فقط في توحيد الأمة الصينية حول شي جين بينغ، الذي سيتم حينها إعادة انتخابه تلقائيا لفترة ولاية جديدة، إلا أنها كذلك خطوة ضرورية نحو هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية وتبوأ الصين موقع القيادة العالمية.
نأتي للأسئلة:
1- هل تفاقم الصراع عمل متعمد من جانب الولايات المتحدة الأمريكية؟
كما ذكرت أعلاه، يمكن أن تهدف الزيارة والوعد برد فعل أمريكي قوي ضد رد الفعل الصيني القاسي إلى إزاحة شي جين بينغ في انتخابات قيادة الحزب الشيوعي الصيني المقبلة في نوفمبر. فالنخبة الصينية منقسمة، والقوى الموالية للولايات المتحدة في الداخل الصيني قوية، كل ما تحتاجه هو قليل من المساعدة لترجيح كفة التوازن في الاتجاه الصحيح، وهو خيار واقعي تماما.
لكن، ومع جدية كل الحجج المذكورة أعلاه، لا أستبعد أن يكون بوتين (كما تعودنا مؤخرا) هو المسؤول عن كل شيء.. إلا أنني هنا لا أمزح، لكن القدرة الاستثنائية لدى بوتين على ضبط النفس يمكن أن تكون قد دفعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاعتياد على فكرة أن استفزازاتها يمكن أن تبقى دون رد. فلدى بوتين تكتيكاته الخاصة، وهي ناجحة، على الرغم من ضرورة الاعتراف بأن فترات السكون الطويلة دون رد فوري على الاستفزازات، تشجع واشنطن على المضي قدما نحو ما هو أبعد.
وبالتالي تسقط النخبة الأمريكية بسهولة في الراديكالية بسبب إفلاتها من العقاب، ولا تميل إلى التفكير بعناية في عواقب أفعالها.
كم من القادة الغربيين زاروا كييف في الأشهر الأخيرة؟ وكم عدد الأسلحة التي تم تسليمها لأوكرانيا؟ فأي معنى إذن يمكن أن تحمله مثل هذه الزيارة لتايوان وبعض البيانات والتصريحات الصحفية هنا وهناك على هذه الخلفية؟
لذلك فأنا لا أستثني الخيار القائل بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي أثارت التصعيد بدافع الغباء كأحد الأعراض الجانبية للارتباك الداخلي وانعدام المسؤولية.
2- هل تدرك إدارة بايدن حتمية حدوث أزمة اقتصادية حادة هذا الخريف وفقدان الديمقراطيين للسلطة؟
الحقيقة أنني لست واثقا في ذلك.
إلا أن الانهيار الوشيك يجعل من إثارة الصراع مع الصين مسار عمل معقول وعملي للغاية. ففي حالة الحرب، يمكن إلغاء الانتخابات.
بالإضافة إلى أن فقدان الولايات المتحدة الأمريكية لزعامة العالم، وما يمكن أن يتلو ذلك من أزمة اقتصادية وسياسية حادة هو احتمال لا يمكن تجنبه سوى بتدمير الصين، أو إعادتها مائة عام إلى الوراء. أدرك ترامب ذلك وسعى إليه، وعارضه الديمقراطيون في ذلك.
لكن الوضع الراهن يتطلب الحسم والوسائل العسكرية. فهل يمكن أن يتبنى الديمقراطيون أجندة ترامب بالكامل؟ الأمر ممكن نظريا، ولكني أشك في ذلك. فالديمقراطيين لا يملكون زعيما قادرا على قيادة الأمة.
يزداد تعقيد الوضع بالنسبة لواشنطن بحقيقة أن الصين قد تحاول من ناحيتها تجنب الصراع المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها في الوقت نفسه ستستغل أي ذريعة لتصعيد الأزمة مع تايوان وإخضاعها.
أي أن الطرق المختلفة لتجنب الصراع مع الحفاظ على وجه الولايات المتحدة، مثل الإعلان عن الزيارة عقب انتهائها، قد لا تنجح.
باختصار، من الواضح أنه قد يكون التصعيد خطيرا، وحتى لو لم يصل الأمر هذه المرة إلى صراع عسكري مباشر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، فإن هذا الصراع حتمي لا مفر منه، اللهم إلا إذا قررت الولايات المتحدة الانهيار دون مقاومة.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف