ولكن، هل يمكن لدول أوروبا أن تعود 100 عاما إلى الوراء لتمثل قوة عسكرية ضاربة؟
من الناحية الفنية والاقتصادية لا يوجد ما يمنع ذلك، إلا أن هناك عقبة واحدة، لكنها خطيرة، تقف أمام ذلك: الديموغرافيا!
فعلى سبيل المثال لا الحصر، وبصرف النظر عن الهجرة، فقد انخفض عدد السكان في ألمانيا منذ 50 عاما. وفي عام 2019، أصبح 26% من السكان هناك، و40% من الأطفال دون سن الخامسة من أصول مهاجرة. علاوة على ذلك، بدءا من حوالي عام 2025، سيبدأ عدد سكان ألمانيا في الانخفاض بشكل حاد، حينما يبدأ الجيل الأكبر من مواليد ستينيات وسبعينيات القرن الماضي في الرحيل.
صورة مماثلة نشهدها تميز جميع أوروبا، خاصة الغربية. ففي الاتحاد الأوروبي كان هناك 1.5 طفل يولد لكل امرأة في عام 2020، وكان الرقم في عام 2019 يبلغ 1.53 طفل، وذلك مع الوضع في الاعتبار أنه من أجل الحفاظ على تعداد السكان، لابد أن يكون هذا الرقم على الأقل 2.1 طفل لكل امرأة.
في فرنسا، تشكل الأقليات العرقية 15-20% من الجنود في الجيش، وفي بريطانيا تشكل 8.8% (باستثناء المهاجرين البيض)، وفي ألمانيا عام 2009، كانت النسبة 12%، بينما نما هذا الرقم بشكل ملحوظ منذ ذلك الحين.
لكن كل ذلك كان في حقبة سابقة، الآن سوف يزداد تدفق المهاجرين إلى أوروبا بشكل حاد، بينما سيزداد انخفاض معدل المواليد من الفرنسيين والألمان وغيرهم بسبب الأزمة الاقتصادية.
وكانت أوروبا في السابق تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية لضمان أمنها، وكانت الجيوش الأوروبية صغيرة، بينما يتم تلبية الحاجة إلى الجنود بشكل أو بآخر بالموارد البشرية المتاحة.
لهذا فإن عودة الزيادة في الجيوش على خلفية انخفاض عدد الشباب القادرين سوف يعتمد بشكل أساسي على المهاجرين، وأعتقد أن عددا من الدول الأوروبية ستجذب الأجانب للخدمة في جيوشها مع وعود بمنحهم الجنسية.
وكما نذكر دائما، فالتاريخ يعيد نفسه مرتين، كمأساة في المرة الأولى، وملهاة في الثانية.
ويبدو أننا، وكما في الحقبة الاستعمارية، حينما كان الهنود والعرب يحاربون من أجل مصالح الإمبراطوريات الاستعمارية، سنشهد مجددا قتال المهاجرين العرب والأفارقة وغيرهم من المهاجرين وأبنائهم من أجل مصالح بلدانهم الجديدة.
وسوف يقاتل الجزائريون والتونسيون السوريين والعراقيين من أجل مصالح فرنسا وألمانيا.. أو سيقاتلون جميعا الروس والصينيين...
بطبيعة الحال، فليس ذلك سوى مرحلة تدهور عام، وعنصر من عناصر الأزمة الكبرى في أوروبا. إلا أنه ونتيجة لهذه الأزمة، وفي غضون 30 عاما، سيتغير كل شيء في أوروبا: التركيبة العرقية والدينية، وستتغير حدود دول القارة.
ومع ذلك، فقد بقي حتى اللحظة التي يصبح فيها جزائري رئيسا لما سيتبقى من فرنسا 40-50 سنة أخرى... إذا استطاع بالطبع أن يهزم منافسه، المرشح الزنجي. أو ربما بقي أقل من ذلك، بالنظر إلى مثال مرشح رئيس الوزراء، ريشي سوناك، في بريطانيا.
يدخل عالمنا واحدة من أكبر التحولات في الألفيتين الماضيتين.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف