ومع ذلك، فقد خسر الدولار حصته ليس لصالح اليورو المستخدَم تقليديا لتخزين الاحتياطيات، ولا للجنيه الإسترليني أو الين الياباني، وإنما لعملات الدول الصغيرة مثل كندا والسويد وكوريا الجنوبية.
سيستمر انخفاض حصة اليورو أيضا، حيث أن تسارع التضخم في منطقة اليورو والدولار يجعل من الاحتفاظ بالأموال في هاتين العملتين غير مربح. والآن يخسر المستثمرون، إذا ما كان الحظ حليفهم، أكثر من 5% سنويا، ومن المرجح أن يزداد الوضع سوءا.
ومع ذلك، فإن تدفق رؤوس الأموال من الدولار واليورو مقيد بحقيقة أنه لا يوجد مكان لاستثمار الأموال على نطاق عالمي، فرؤوس الأموال الكبيرة لم تعد تجلب الأرباح في أي مكان في العالم، الذي يمر بأزمة عالمية من الإفراط في الإنتاج.
لكن السؤال الرئيسي هو أين اليوان الصيني؟ ولماذا لا يندرج ضمن العملات التي يمكن تخزين الاحتياطيات فيها؟
لقد بلغت الصادرات الأمريكية في عام 2021 زهاء 2.53 تريليون دولار، بينما بلغت الصادرات الصينية 3.36 تريليون دولار، وهو ما يعطي انطباعا بأن اليوان الصيني مغطى بالسلع على نحو أفضل من الدولار ويمكن شراء المزيد به. فقد تجاوز الاقتصاد الصيني بالفعل الاقتصاد الأمريكي، في تعادل القوة الشرائية، وسيتفوق عليه قريبا ظاهريا.
في الواقع، يمكن شرح كل شيء ببساطة إذا ما استخدمنا مصطلحات حقيقية بدلا من المصطلحات المضللة.
فواقعيا، ما يسمى عموما باحتياطيات الدولار الأمريكي لدول العالم ليست احتياطيات، بل هي في الواقع هدية، أو نوع من الضرائب الاستعمارية تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على الدول التابعة لها سياسيا، ولن تعود هذه الأموال أبدا.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، كجزء من حربها ضد الاتحاد السوفيتي، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، مهتمة بـ "قصص النجاح" في ألمانيا الغربية، واليابان، وكوريا الجنوبية، ولاحقا في الصين، تحت سيطرتها، وكجزء من سياساتها لإبعاد الصين، التي ما زالت اشتراكية، عن الاتحاد السوفيتي. بمعنى أن الولايات المتحدة منحتها استثمارات ونصيبا من سوقها، لكن في المقابل، كان على هذه الدول أن تعيد جزءا كبيرا من الدخل إلى الولايات المتحدة على هيئة استثمارات في الديون الأمريكية. في هذا النظام، كان من المفترض أصلا ألا تستعيد هذه الدول هذه الأموال أبدا. ولن يكون هذا ممكنا إلا بإعادة التوجيه السياسي، والانسحاب من المعسكر الأمريكي، وهو ما لن تسمح به الولايات المتحدة، بما في ذلك باستخدام الوسائل العسكرية.
أضيف في العقدين الأخيرين إلى ذلك حقيقة أن هرم الديون في الغرب، وفي الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، قد نما كثيرا، ولم يعد من الممكن إعادة الديون إلى الدائنين لأسباب اقتصادية. أي أن الولايات المتحدة ستفلس حتى لو حاولت سداد 20% من ديونها. يشبه ذلك فقاعات البورصة أو أهرام المال، يحصل على الأموال نسبة أولى قليلة من المستثمرين، ممن يتمكنون من سحب أموالهم قبل بدء الهجرة الجماعية لرؤوس الأموال.
وبالإضافة إلى الدول المعتمدة سياسيا، احتفظ عدد من الدول الأخرى باحتياطياتها في الدولار، حيث كان ذلك رائجا ومقبولا بشكل عام، ولم يكن أحد يريد أن يكون أول من يعترف بأن الملك عار. وحتى لو كان أحد السياسيين قد حاول ذلك، كانت واشنطن لتزيحه والقضاء عليه بشكل أو بآخر. بالإضافة إلى ذلك، فإن النظام المالي العالمي بأكمله، الذي تسيطر عليه واشنطن، لم يوفر أي فرص أخرى.
ولكن، ماذا بعد؟
لقد أصبح اليوان الصيني العملة الرئيسية للاحتياطيات الروسية. وعلى الأرجح، ستنمو حصة اليوان، خلال العامين المقبلين، في التجارة العالمية بسرعة، ما سيؤدي إلى بعض النمو في احتياطيات دول العالم باليوان الصيني. ومع ذلك، فإن أغلبية رؤوس الأموال العالمية تنتمي إلى الغرب، بما في ذلك رؤوس أموال البلدان التي تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية. وهم، لأسباب سياسية، لن يحوّلوا أموالهم إلى الأصول الصينية مهما حدث، باستثناء ربما إسرائيل، التي رفعت مؤخرا حصة احتياطياتها باليوان.
أعتقد أن الحرب بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية من أجل الهيمنة على العالم أمر لا مفر منه بشكل أو بآخر، ما يعني أن كل العقوبات نفسها التي نراها اليوم ضد روسيا سوف تكون حتمية ضد الصين أيضا، بما في ذلك فصل الصين عن نظام "سويفت" العالمي للتحويل البنكي، وتحوّل الصين الهائلة في تجارتها من الدولار إلى اليوان.
نتيجة لذلك، سيكون هناك وضخ تنخفض فيه بشكل حاد حصة الدولار واليورو في التجارة العالمية، ما يعني تضييقا حادا في مجال تداول هذه العملات. وإذا لم يكن التضخم المفرط بهذه العملات قد بدأ قبل ذلك الحين، فإنه سيبدأ في هذه اللحظة.
ومن المنطقي أن نفترض أن ذلك سيصاحبه تدافع هستيري للخروج من الدولار واليورو إلى عملات أخرى، بما في ذلك دول العالم التي ستحاول إنقاذ احتياطياتها دون جدوى. على هذه الخلفية، سينهار الدولار واليورو مقابل العملات القليلة الأخرى التي لا تزال مستقرة. وفي هذه المرحلة، ستقفز أسعار الذهب إلى عنان السماء، كما سترتفع أسعار جميع الأصول الملموسة بشكل كبير، بما في ذلك المواد الخام.
لقد شرعت في كتابة المقال عن حقيقة أن شعوب العالم يجب أن تودّع احتياطياتها المخزنة في الولايات المتحدة الأمريكية، وها أنا أصل إلى ضرورة مناقشة انهيار النظام المالي العالمي، وهو موضوع كبير للغاية.
من الواضح كذلك أن الصدام المحتوم بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية يعني تلقائيا انهيارا فوريا للاقتصاد العالمي وفقا للسيناريو الذي رسمت بعض خطوطه العريضة أعلاه. ولتجنب انهيار الاقتصاد العالمي، يجب على الولايات المتحدة والصين القتال، وفي نفس الوقت الاستمرار في التجارة مع بعضهما البعض. فلا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على هيمنتها في العالم بدون حرب مع الصين، لكن الحرب مع الصين تقضي على الفور على الهيمنة الأمريكية. الوضع عبثي، ويتطلب شروطا وإجراءات يستحيل حدوثها في نفس الوقت.
باختصار، يمر عالمنا اليوم بأكبر أزمة منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية، وربما في تاريخ البشرية. فالنظام العالمي لم يعد قابلا للاستمرار، ولا يوجد مخرج تحت السيطرة للخروج من الأزمة، وسوف ينهار النظام بطريقة فوضوية مع عواقب وخيمة على الجميع.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف