اسمحوا لي أن أذكركم بأن اتفاقيات مينسك كانت قد قوبلت برد فعل سلبي واسع في الأوساط الوطنية الروسية، لإعادتها إقليم الدونباس إلى أوكرانيا. لكن خطة بوتين (كما رأيتها) كانت بسيطة وطموحة في نفس الوقت، وتلخصت في جعل أوكرانيا دولة لا مركزية، وبالتالي فقدان الغرب الأوكراني النازي لنفوذه على بقية البلاد. ومن خلال التخلي عن جزء صغير منها، كان من الممكن جعل أوكرانيا كلها محايدة. وبدون استيفاء هذا الشرط، كان من المستحيل عودة الدونباس إلى أوكرانيا، على الرغم من أي مفاوضات. وكان ذلك هو الحل المثالي بالنسبة لأوكرانيا نفسها، إلا أنها مضت منساقة نحو حتفها. وبعد حوالي عامين، توقفت جميع الانتقادات لاتفاقيات مينسك من قبل تلك الأوساط الوطنية الروسية، بعد أن أدرك الجميع أن هذه الشروط كانت حتى أقل قبولا بالنسبة للنازيين الأوكرانيين ولن تلتزم أوكرانيا أبدا باتفاقيات مينسك، أي أن الدونباس لن يعود إلى أوكرانيا.
فيما يتعلق بالمفاوضات الجارية، علينا أن نضع في اعتبارنا ثلاثة نقاط:
1- لقد وضعت روسيا شرطين غير مقبولين على الإطلاق بالنسبة للنازيين الأوكرانيين وهما: الاعتراف باستقلال إقليم الدونباس، والاعتراف بشبه جزيرة القرم أراض روسية، وتلك مسألة إلزامية. ومهما أطلقت روسيا بعد ذلك من وعود لأوكرانيا، بدخولها إلى "الناتو"، أو منحها وضعا نوويا، أو حتى الإتيان بالقمر لها من السماء، فلن يوافق النازيون الأوكرانيون على روسية القرم. وتحديدا، سوف يفرضون مع السفارة الأمريكية حدود ما هو غير مقبول للرئيس الأوكراني.
2- لا ننسى الإنذار الذي أطلقته روسيا في شهر ديسمبر الماضي بشأن الضمانات الأمنية. لمن كان موجها؟ إلى الولايات المتحدة الأمريكية! في الوقت نفسه أعلن الجانب الروسي بشكل مباشر أنه لن يتفاوض مع أوكرانيا وأوروبا، لأنهما لا يتمتعان بالسيادة، ولن تتحدث موسكو إلا مع أسيادهما في واشنطن. هذا هو الموقف الحقيقي لموسكو من المفاوضات الحالية، وأؤكد لكم، لم يتغير أي شيء.
3- في ذلك الإنذار، تمت صياغة الأهداف الروسية بوضوح: خروج الولايات المتحدة الأمريكية من أوروبا. وعندما تظهر هذه النقطة في المفاوضات، يمكنك حينها فقط البدء في التعامل مع تلك المفاوضات على محمل الجد.
إذن، لماذا يجري بوتين هذه المفاوضات؟ وهي تحبط معنويات الجيش والمجتمع الروسي؟
تحضرني هنا مزحة يهودية قديمة:
توسل اليهودي، موشيه، إلى الله أن يمنحه ما يطلبه منه، فأجاب الله على شرط أن يمنح جاره وأعز أصدقائه، أبراهام، ثلاثة أضعاف ما سيحصل عليه موشيه.
طلب موشيه قصرا مهيبا، فكان له. وما أن خرج من قصره حتى رأى لأبراهام قصرا أكبر من قصره بثلاثة أضعاف وأكثر منه بهاء وفخامة، فعاد مهموما حزينا، وتوجه لله بالأمنية الثانية، فسأله شاحنة محملة بالذهب، فجاءته الشاحنة، وما كاد يفرغ ما بها، حتى رأى ثلاث شاحنات تصطف أمام قصر أبراهام.
وكان موشيه لئيما، فطلب في أمنيته الثالثة من الله أن يمنحه زوجة حسناء جميلة، وأن تتطابق متطلباتها الجنسية تماما مع الحد الأقصى لإمكانياته الجسدية.
معذرة لما قد يكون في هذه المزحة من ابتذال، إلا أنها تصف الموقف بدقة.
روسيا تدمر أوكرانيا، بغض النظر عما تقوله الدعاية الأوكرانية والغربية. وبغض النظر عن مدى تأثير المفاوضات السلبي على المجتمع والجيش الروسي، تتلقى أوكرانيا ثلاثة أضعاف. فخوض الحروب الحديثة لا يتم في ساحة المعركة بقدر ما يتم من خلال زعزعة استقرار العدو. وإذا تمكنت من هزيمة العدو، دون حرب وخسائر جانبية كبيرة، فعليك على الأقل أن تحاول القيام بذلك.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف