أوكرانيا تطالب الغرب بمنحها احتياطيات روسيا.. فهل يمكن أن يحدث ذلك؟

دعونا نناقش الأمر من الناحية التقنية.

لا توجد هناك أكوام من الأوراق النقدية في الخزائن. فاحتياطيات العملات الأجنبية لبلدان العالم افتراضية، أي أنها مجرد أرقام على شاشات أجهزة الكومبيوتر لبنوك الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي. لا تحتاج هذه الأرقام للحراسة، ولا يمكن سرقتها أو نقلها من مكان لآخر.

ومن الناحية الفنية، يمكن لمالكي أجهزة الكومبيوتر هذه، أي حكومات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان والدول الأخرى التي لديها عملات احتياطية، إضافة أي مبلغ إلى حسابهم أو محو بضعة أصفار من حساب أي دولة أخرى. من المفترض ألا يفعلوا ذلك، لأنه سيقضي على مصداقية العملة، وهو الشرط الأساسي لوجود العملات الحديثة. بمعنى أن البلدان أو الشركات أو الأشخاص يجب أن يتأكدوا عند بيعهم المواد الخام أو البضائع وغيرها من السلع الملموسة الواقعية من أنهم يتلقون من الشريك في المعاملة مبلغا بهذه العملة يحتفظ بالقيمة ولن يختفي أو ينخفض بعد يوم أو سنة.

أي أن المال يجب أن يحتفظ بقيمته، بل إن ذلك هو الشرط الأساسي والرئيسي لوجود أي عملة. وحتى لو كنت أنت الولايات المتحدة الأمريكية، فلا يمكنك ببساطة إضافة عدد معين من الأصفار إلى حسابك بعملتك.

إلا أن ذلك تحديدا هو ما يفعله الغرب الآن!

لقد كانوا يفعلون ذلك في الواقع لعدة عقود، خاصة بعد عام 2008 في إطار ما يسمى بالتيسير الكمي QE، حيث تضيف البنوك المركزية لهذه البلدان ببساطة أصفارا إلى حسابات البنوك التجارية لدى بنوكها المركزية بضغطة زر، وتكتبها كقرض لها، ثم تبدأ هذه الأموال في الانتشار بجميع أنحاء الاقتصاد، على هيئة قروض للشركات والأسر، فتزيد الطلب، وتحفز الاقتصاد، وتضخم الفقاعات في البورصات...

بمرور الوقت، تضمن هذه الإجراءات تدمير أي عملة.

لذلك، وبالمناسبة، كان الذهب يستخدم كأموال لعدة قرون، لأنه لا يمكن طباعته أو رسم أصفار على الحساب. وأصبح الدولار عملة العالم لأنه كان مربوطا بالذهب، ولكن في عام 1971 ألغي هذا الارتباط.

ومع كل عام يمر، ترسم البنوك المركزية في الغرب مزيدا من الأموال لنفسها. إنهم يصنعونها من العدم، يضيفون أصفارا إلى حساباتهم، ويستخدمونها لشراء سلع مادية حقيقة من بلدان ثالثة، منّا ومن حضراتكم.

ولكن، بعد مصادرة الاحتياطيات الروسية، فقد نظام العملة الغربية مصداقيته تماما، وبالتالي فقد وظائفه. الآن، وبعد أن قمت ببيع سلعتك بالدولار أو باليورو أو بالين أو بالجنيه الإسترليني، لم يعد بإمكانك الاحتفاظ بقيمتها بهذه العملات، ففي أي وقت بإمكانهم أن يزيلوا جميع الأصفار من حسابك في أي بنك غربي، وتحويل مليار دولار إلى دولار واحد، لم تعد هناك قواعد، فوضى وغياب تام للقانون.

لذلك، فلا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن ترسل الاحتياطيات الروسية المصادرة إلى أوكرانيا. أو بالأحرى، بإمكانهم ذلك، لكنها لن تكون الاحتياطيات الروسية، بل ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ببساطة برسم بضعة أصفار على حساب أوكرانيا، ويمكنها رسم أي مبالغ أقل من قيمة الاحتياطيات الروسية أو أكثر منها. في الوقت نفسه، بإمكانهم محو ما يشاءون من أصفار موجودة أمام أرقام الحساب الروسي، أو بإمكانهم عدم محوها. بمعنى أنه لا علاقة بين الخصم من الاحتياطيات الروسية والإضافة للحسابات الأوكرانية، بإمكان الغرب أن يفعل كل هذا بضغطة زر. فالقاعدة التي تنص على أن المال لا يمكن أن يأتي من العدم، أو يختفي من العدم في النظام المالي الغربي لم تعد سارية.

ألغيت هذه القاعدة في اللحظة التي صودرت فيها الاحتياطيات الروسية.

لهذا يبدو طلب أوكرانيا إلى الغرب بنقل الاحتياطيات الروسية المجمدة إلى كييف هو مجرد طلب للحصول على أموال. ولا علاقة لهذا الطلب بالاحتياطيات الروسية.

لا أعرف ما إذا كان الغرب سيعطي أوكرانيا أي شيء أم لا، حيث يمكن للغرب، من باب الدعاية، التظاهر بتسليم الاحتياطيات الروسية إلى أوكرانيا. لكن وجود تلك الاحتياطيات الروسية من عدمه لا يهم، بإمكانهم ببساطة رسم مبلغ صغير نسبيا على حساب أوكرانيا. لكنني لا أظن أنهم سيعطون أوكرانيا الكثير، فليس إطعام أوكرانيا مدرجا في خطط الغرب.

بطريقة أو بأخرى، لم يعد الدولار أو اليورو أو الجنيه الإسترليني أو الين أموالا بالمعنى الكلاسيكي للكلمة. فالقدرة على استخدام تلك الأموال تعتمد على الحالة المزاجية والموقف تجاهك في العواصم الغربية، وأعتقد أن الاحتياطيات الصينية الضخمة، وربما احتياطيات دول الخليج ستختفي هي الأخرى بعد فترة.

بالمناسبة، يعرف الاحتياطي الفدرالي الأمريكي جميع الأرقام المتسلسلة للأوراق النقدية بالدولار، التي يرسلها إلى بلدان مختلفة لمنحها إلى البنوك والشركات والجمهور. وباستطاعة واشنطن، في أي وقت تشاء، أن تعلن عدم صلاحية جميع الأوراق النقدية التي تحمل سلسلة معينة من الأرقام.

فاستخدام الدولار كسلاح في الفترة الأخيرة هو المرحلة الأخيرة قبل انهيار نظام الدولار، وقريبا سيتوقف هذا النظام عن الوجود.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب