حيث كان العنصر الأهم في البيان هو الدعم المتبادل بين روسيا والصين في قضايا الأمن ومواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.
إلا أنه من الممكن تسمية بقية مضمون الزيارة استمراراً للتوجه الموجود فعلياً حول تعزيز التعاون، وليس طفرة جديدة في العلاقات.
فقبل تفاقم الوضع الحالي حول أوكرانيا، كان العمل يجري على قدم وساق بشأن عقد توريد 10 مليارات متر مكعب إضافية من الغاز، بالإضافة إلى 38 مليار متر مكعب تم توريدها بالفعل، وهو نفس الأمر بالنسبة لإمدادات النفط.
أعتقد أن الأهم من هذا وذاك كان أمراً آخر، لم يتم الإعلان عنه.
تجري روسيا الآن سلسلة كاملة من المناورات والتدريبات العسكرية التي يمكن وصفها بكونها استعدادات للحرب، ليس ضد أوكرانيا، وإنما لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي "الناتو".
فتلك القوات الروسية، التي تدّعي واشنطن بأنها تتركز على الحدود مع أوكرانيا (على بعد 400 كيلومتر من الحدود الأوكرانية في واقع الأمر)، تقع فعلياً بالقرب من الحدود البيلاروسية، لضمان أمن الحليف العسكري لروسيا – بيلاروس.
وكما هو معلوم، فقد لعبت بولندا دوراً نشطاً في زعزعة استقرار الوضع في بيلاروس عقب الانتخابات الرئاسية هناك عام 2020، وكذلك في محاولة الانقلاب، ربيع عام 2021. ثم أرسلت بولندا 20 ألف جندي إلى الحدود مع بيلاروس، بدعوى مكافحة الهجرة من الشرق الأوسط. يمكننا كذلك إضافة 12 ألف جندي من دول البلطيق على الحدود مع بيلاروس، علاوة على 2000 جندي أمريكي ووحدات عسكرية أخرى تابعة لـ "الناتو"، تنتشر الآن على الحدود الشرقية لبولندا.
ومنذ أيام، اعترض الجيش البيلاروسي طائرة استطلاع أوكرانية بدون طيار فوق أراضيها.
تستضيف بيلاروس المرحلة الثانية من التدريبات العسكرية الروسية البيلاروسية "عزيمة الحلفاء" في الفترة من 10-20 فبراير الجاري.
في الوقت نفسه، صرح الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، مؤخراً أنه إذا ما هاجمت أوكرانيا إقليم الدونباس، فإن بيلاروس سترد عسكرياً إلى جانب روسيا.
كما تجري، بالتوازي، 140 سفينة من الأسطول الروسي مناورات في البحار المجاورة وفي محيطات العالم. ستتضمن المناورات تنفيذ سيناريو المشاركة المتزامنة لتشكيلات السفن، حال حدوث أزمة واسعة النطاق.
وصلت حوالي 20 سفينة حربية (بما في ذلك طرادات) إلى البحر الأبيض المتوسط من 4 أساطيل: بحر البلطيق والبحر الأسود والمحيط الهادئ والشمالي.
ووصلت، على وجه الخصوص، 6 سفن إنزال روسية كبيرة على الفور إلى طرطوس السورية، كما تشارك حوالي 20 سفينة روسية أخرى في التدريبات بالبحر الأسود.
إن نزول الأسطول الروسي بأكمله تقريباً إلى عرض البحر، يجعل من المستحيل تدمير السفن الروسية في الموانئ، حال حدوث هجوم مفاجئ. بطبيعة الحال، لا يمكن لأوكرانيا أن تشكل مثل هذا التهديد، إنما ذلك إجراء وقائي، في حالة الصراع مع الولايات المتحدة و"الناتو".
في أكتوبر من العام الماضي، أجرت روسيا تدريبات واسعة النطاق لقوات الدفاع المدني، والمنوط بها، من بين أمور أخرى، مسؤولية إنقاذ السكان، وتحييد عواقب الضربات على الأراضي الروسية في حالة الحرب.
وأخيراً وليس آخراً، ووفقاً لصحيفة "فاينانشال تايمز"، فإن روسيا تجري، بالتزامن مع تدريباتها البحرية والبرية، تدريبات لقواتها النووية.
باختصار، فإننا نرى أن روسيا تصل في فبراير إلى أقصى درجات الاستعداد للحرب.
بطبيعة الحال، نحن نتذكر أن روسيا كانت قد وجّهت إنذاراً للولايات المتحدة الأمريكية، تطالبها فيه بمنح روسيا ضمانات أمنية والتخلي عن توسّع "الناتو". وإذا لم يتم قبول هذه المطالب، فقد وعدت موسكو باتخاذ إجراءات عسكرية وعسكرية تقنية. ورفضت الولايات المتحدة الأمريكية و"الناتو" الإنذار الروسي.
إن الحرب مع أوكرانيا، بالطبع، ليست سيناريو مواتياً لروسيا، بل على العكس من ذلك، هذا ما تسعى إليه واشنطن، وتحاول موسكو تجنّبه. وبغرض دفع الولايات المتحدة الأمريكية على قبول التغيير في النظام العالمي، وقبول الشروط الروسية، يجب إنشاء تهديد مباشر للولايات المتحدة.
وبناءً على ذلك، ففي رأيي المتواضع، نحن نتحدث عن تكرار في الأشهر أو حتى الأسابيع المقبلة لنسخة ما من أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، عندما نشر الاتحاد السوفيتي صواريخ نووية في كوبا، أي أننا نشهد تكراراً للموقف، عندما تفقد الولايات المتحدة الأمريكية فجأة إحساسها المعتاد بالطمأنينة والأمن. وكما هو الحال مع الأزمة الكوبية، فمن المتوقع أن يكون رد فعل الولايات المتحدة عنيفاً، ونحن نرى بالفعل هيستيريا أمريكية استباقية في وسائل الإعلام. ومع ذلك، ونظراً لعدم عقلانية النخبة الأمريكية الحالية، فمن الممكن تماماً توقع أن يذهب بعض المحيطين ببايدن إلى ما رفضه كينيدي لخوض صراع عسكري مع روسيا، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية. وهذا ما تسبب في كل التدريبات الروسية المذكورة، فروسيا على أتم الاستعداد لتقديم رد عسكري أشد قسوة، حال إقدام واشنطن على مثل هذه الاختيارات.
في واقع الأمر، ومن أجل مناقشة هذا الوضع، كان من المفترض نظرياً أن يلتقي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالرئيس الصيني، شي جينغ بينغ. فقد دعمت الصين روسيا علانية في مطالبها، لكن الإجابة عن السؤال الرئيسي، مخفية عن الجمهور: هل ستتخذ الصين أي إجراء لاستعادة السيطرة على تايوان في نفس التوقيت مع الإجراءات الروسية المحتملة والموعودة، أو في حال كان رد الفعل الأمريكي على الإجراءات الروسية المحتملة سيؤدي إلى مواجهة عسكرية بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية؟
من حيث المبدأ، لدى روسيا القدرة على التعامل مع الموقف بمفردها، وإلا لما كانت لوّحت بالإنذار النهائي، ولكن إذا دخلت الصين اللعبة، فمن غير المرجح أن تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية قراراً بشأن مواجهة عسكرية، وسيتم حل المشكلة دون إراقة دماء. أمّا إذا لم تنضم، فسأعتبر شخصياً أن اندلاع نزاع عسكري، ولو محدود، بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، أمراً مفروغا منه عملياً.
قريباً ما سنعرف إجابة الصين، وإن غداً لناظره قريب.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف